- Home
- Articles
- Radar
زوجات المعتقلين في سجون النظام.. اليأس أو الانتظار الطويل
تعاني زوجات المعتقلين أوضاعاً نفسية واجتماعية وقانونية واقتصادية غاية في الصعوبة، تبدأ بمواجهة أعباء الحياة بمفردهن ولا تنتهي بالضغط الكبير عليهن لإيجاد نهاية لقصصهن المعلَّقة، إذ لا تعلم إحداهن ما إذا كان يتوجب عليها التسليم بوفاة الزوج في المعتقل وإكمال حياتها دونه، أم الانتظار على أمل خروجه يوماً ما.
تزوجت العشرينية مريم المنحدرة من مدينة معرة النعمان من رجل آخر بعد وصول أخبار عن موت زوجها في المعتقل تحت التعذيب، لكنها تفاجأت بعد فترة بخروج الزوج من السجن، ما أوقعها في دوامة الحزن والخجل من إقدامها على الزواج وعدم انتظاره، وعن ذلك تقول: "بعد ثلاث سنوات (من الاعتقال) تبين من خلال المحامي الذي وكله أهل زوجي أنه فارق الحياة في السجن، ونتيجة نظرة المجتمع وثرثرته ومراقبته للمرأة، خاصة إذا كانت صغيرة السن، وافقت على الزواج (مجدداً)".
ترى مريم أنه كان يجب عليها الانتظار، وعدم الاكتراث لكلام المجتمع وحديثه الذي "يدفع النساء لارتكاب الأخطاء والحماقات" على حد تعبيرها، لكن المفارقة لا تغادر موقفها، إذ يبدو أن مصدر خجلها -من إقدامها على الزواج من رجل آخر- نظرة المجتمع إليها مرة أخرى بعد ظهور زوجها الأول.
في الجانب الآخر بقي عدد كبير من الزوجات اللواتي اعتقل أزواجهن، يرفضن فكرة الزواج من رجل آخر، رغم جهلهن بمصير الزوج، كحال الثلاثينية فدوى من ريف إدلب التي أصرت للسنة السابعة على انتظار زوجها الذي اعتقل على أحد حواجز قوات النظام في مدينة حماة، فهي مصممة على تربية أطفالها الثلاثة ورعايتهم على الرغم من جميع الصعوبات والتحديات التي تقف أمامها.
واجهت فدوى صعوبة كبيرة في إيجاد عمل كونها لا تحمل مؤهلاً، لذلك تعتمد على سلة غذائية شهرية يقتصر دعم المنظمات الإغاثية عليها، إلى جانب عملها البسيط في بيع الملابس. تقول: "أعترف بأن الحياة بلا زوج صعبة، ولكن حالنا يبقى أفضل من حاله وهو يعيش هذه الظروف القاسية"، في إشارة إلى التعذيب الذي يطال المعتقل في أقبية النظام. وأشارت إلى أن أملها بعودة زوجها الذي تربطه بها "عشرة عمر"، منعها من التفكير بالزواج أو الابتعاد عن أبنائها وتركهم لبيت جدهم.
أما من اعتقل خطيبها فهي في وضع لا يقل حرجاً وصعوبة عن الزوجة، إذ تقع عليها ضغوط مكثفة ومتناقضة في آن واحد، ما بين "الاتهام بالسفاهة" إذا استمرت بالخطبة، و"قلة الأصل" إذا لم تستمر.
فاطمة (19 عاماً من خان شيخون) اعتقل خطيبها منذ قرابة ثلاث سنوات، تقول إنها دائمة التعرض إلى الضغوطات من قبل أهلها للانفصال عنه، خصوصاً أن وضع الخطيب "غامض وأخباره مقطوعة بشكل نهائي". لكنها ترفض الانفصال رفضاً قاطعاً، مشيرة إلى أن أية علاقة بين زوجين أو خطيبين مبنية على السراء والضراء. تقول: "أنا مستعدة لأن أتحمل هذه المحنة حتى يخرج من المعتقل، هذا نصيبي وأنا راضية بما قسمه الله لي".
يقول الأستاذ في الشريعة الإسلامية محمد الجمعة (يقيم في ريف إدلب): "يحق لمن غيب زوجها بعد انقضاء السنة من غيابه أن تذهب إلى القضاء بحضور شاهدين يعرفان زوجها مع ما يثبت زمن حادثة فقدانه، لتحصل على حكم بالطلاق منه بشكل قانوني وتتزوج بعدها من تشاء". وبذلك يكون الخيار للمرأة وحدها دون غيرها.
على أن الواقع يقول عكس ذلك، إذ تثبت قصص النساء التي تحدثت إليهن ”عين المدينة“ أن المجتمع الذي يعشن وسطه يتدخل في خياراتهن إلى حد بعيد، بعد أن يحاصرهن بشتى الطرق. وعن ذلك تتحدث الناشطة الحقوقية ميناس العمر (مقيمة في ريف حلب) قائلة: "تتعرض زوجات المعتقلين لاتهامات قاسية من قبل مجتمعاتهن، وللاحتيال والاستغلال والتحرش من قبل وسطاء ومتنفذين في الحكومة، وذلك أثناء بحثهن لمعرفة مصير الزوج.
كما يعانين أوضاعاً قانونية صعبة في المناطق المحررة، وذلك بسبب وجود فراغ قانوني ناشئ عن عدم الاعتراف بالوثائق التي تصدرها الجهات القانونية والشرعية فيها، ما يؤدي إلى تركهن معلقات دون سند قانوني يمكن الركون إليه لتسوية أوضاعهن". في إشارة إلى عدم الاعتراف الرسمي بالوثائق والأوراق التي تصدرها السلطات في تلك المناطق.
إضافة إلى كل ذلك، تأتي الآثار النفسية التي يخلفها اعتقال الزوج لتكمل المأساة. وعنها تشرح الأخصائية والمرشدة النفسية فادية العبدالله (المقيمة في مدينة إدلب) قائلة: "زوجة المعتقل تعتبر من الفئات التي تعاني نفسياً، خاصة أن معنى الفقدان لديها لم يكتمل، فضلاً عن الأخبار المتقطعة والمتناقضة التي تصلها عن زوجها والتي تؤكد أحياناً أنه حي، وتشكك أحياناً أخرى بوفاته. وكل ذلك يؤثر على حالتها النفسية بشكل كبير، فتتعرض للقلق المستمر، وتواجه مشكلات مستمرة في النوم، إلى جانب الشعور بالعجز والاكتئاب والضياع والخوف من المستقبل".
وتشير المرشدة النفسية إلى أن الأطفال أيضاً قد يشعرون بالنقص وعدم اكتمال النمو النفسي، خاصة الذكور، وستكون هناك حاجات غير ملبَّاة لا يعوضها سوى وجود الأب.