يقدّم هيثم المالح، مسؤول اللجنة القانونية في الائتلاف الوطنيّ، هذا الكتاب الذي ألّفه الصحافيّ السوريّ عمار ياسر حمو وصدر حديثاً جداً عن مركز أمية للبحوث والدراسات الإستراتيجية، ونشرته دار عمّار في عمّان بالأردن. كان عام 1956 نقطة التحوّل الحقيقيّ في العلاقات السورية السوفياتية، إذ بدأ الاتحاد السوفياتي –وقتها- بمساعدة سوريا اقتصادياً وفنياً وتدفق إليها السلاح من المعسكر الشرقيّ. وتعمّقت هذه العلاقات مع وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963، ولا سيما بعد الانقلاب الداخليّ عام 1966 وتسلّم ثلةٍ من يساريّي البعث الحكم، وصولاً إلى انقلاب حافظ الأسد عام 1970. وفي عهده توسّعت العلاقات لتشمل قطاعات الثقافة والتعليم والاقتصاد، فضلاً عن القطاع العسكريّ الأبرز. أما عند توريث ابنه فقد كانت العلاقات مع روسيا، وريثة الاتحاد السوفياتيّ، فاترةً حتى أخذت بالتحسّن بعد زيارة بشار الأسد إلى موسكو عام 2005، بدءاً بإسقاط 73% من الديون السورية وتوقيع عددٍ من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية، وصولاً إلى موافقة روسيا على بيع سورية أنظمة صواريخ جوٍّ دفاعية رغم المعارضة الأمريكية والإسرائيلية. ومع اندلاع الثورة السورية كانت روسيا من أبرز داعمي نظام الأسد، فقدّمت الأسلحة والأجهزة لقوّاته، فضلاً عن الخبراء والمشرفين العسكريين والمساهمة في وضع الخطط. كما وقّعت عقداً للتنقيب عن النفط والغاز في المياه السورية في شواطئ طرطوس. واستندت روسيا (والصين) إلى مقعدها الدائم في مجلس الأمن لمنع تمرير أيّ قرارٍ يدين جرائم الأسد ولو بلهجةٍ مخفّفة. وبعد الحديث عن ضربةٍ أميركيةٍ للنظام، إثر استخدامه السلاح الكيماويّ في غوطة دمشق الشرقية، تلقفت روسيا لحظةً مناسبةً من التلكؤ الدوليّ وتدخلت لإنقاذ الأسد بمبادرةٍ تقضي بتسليم أسلحته الكيماوية وتدميرها. وأخيراً، وعندما وجدت موسكو حليفها الضعيف يتهاوى أمام ضربات معارضيه، تدخّلت بشكلٍ مباشرٍ لحمايته رغماً عن إرادة السوريين الثائرين وعن إرادة المجتمع الدوليّ. أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في 30 أيلول 2015، عن البدء بتنفيذ ضرباتٍ جوّيةٍ ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سورية. ولكن ما تبيّن بسرعةٍ هو أن هذه الغارات طالت أولاً مواقع للجيش الحرّ، ثم أخذت باستهداف البنية التحتية للمناطق المحرّرة (مشافٍ، مدارس، أسواق، شاحنات نقل الوقود والأغذية...)، ولم توجّه قذائفها نحو داعش إلا بنسبةٍ قليلة، كما بات معروفاً للجميع في سورية وفي العالم. فقد أكّدت الخارجية الأمريكية –وسواها من كبار المسؤولين الغربيين- أن الضربات الروسية استهدفت أساساً قوّات المعارضة السورية المعتدلة، وأنها بذلك تخدم تنظيم داعش الذي نال قدراً أقلّ بكثير من هذه الضربات. وتماشياً مع الهدف الحقوقيّ للكتاب يوثّق مؤلفه المجازر التي ارتكبتها الطائرات الروسية في حقّ السكان المدنيين، منذ بدء عملياتها في سورية وحتى نهاية عام 2015. وباستعراضٍ سريعٍ يتبيّن أن هذه المجازر طالت: تلبيسة (2)، الزعفرانة، إحسم، معصران، خان شيخون، تيرمعلة، الغنطو، بشرفة، سرمين، تل حديا، اللطامنة، دوما (3)، القريتين (2)، أحياء في مدينة حلب (مراراً)، البوكمال (3)، معرة النعمان (3)، بنين، الزباري، طريق السد بدرعا، سرمدا، اعزاز (3)، بنّش، أريحا، كفربطنا، جسرين، زملكا، مرج الزاوية وعين الغزال بريف اللاذقية، حمورية (2)، القصابية، بوز الخربة، معارة النعسان، مسكنة، جسر الشغور، مدينة إدلب، قرية بزينة، بداما، جرجناز، معرة حرمة. ومن الواضح، بتثبيت مواقع هذه المدن والبلدات على الخريطة، أن معظمها يقع خارج الأراضي التي تسيطر عليها داعش، رغم أن المجازر مرفوضةٌ في كلّ مكانٍ بالطبع، في مناطق سيطرة التنظيم وفي سواها. كما أنه من المعروف أن الغارات الروسية اشتدّت في العام 2016، الذي لا يدخل ضمن هذا التوثيق، وأدّت إلى تدمير عددٍ من المرافق الحيوية شديدة الأهمية للسكان. ففي يوم 15 شباط الجاري وحده تعرّضت 3 مستشفياتٍ في شمال البلاد للهجوم الجويّ، أحدها تابعٌ لمنظمة "أطباء بلا حدود" التي صرّحت رئيستها من جنيف: "أصبح اليوم، في سوريا، غير الطبيعيّ طبيعياً وغير المقبول مقبولاً!".