- Home
- Articles
- Radar
رحلة مدعومة لطلاب الجامعة من إدلب إلى أعزاز وبالعكس .. بين حواجز لا عمل لها وأخرى تحاول أن تجده
شاءت الأقدار أن أقيم في إدلب، وأن أكمل دراستي في جامعة حلب الحرة الواقعة في مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي. تغيبت عن الحضور في الجامعة معظم الأيام الدراسية تجنباً لعناء وتكاليف السفر، لكن عندما بدأت الامتحانات صرت مجبراً على الحضور.
أعزاز تبعد عن إدلب حوالي 98 كم وفق خرائط غوغل، والتي توضح أن المدة الزمنية اللازمة للوصول بالسيارة حوالي ساعتين، لكن هناك بعض التغيرات في مسار الطريق لقرب مناطق النظام وسيطرة القوات الكردية، لذلك تصل المسافة التي علي أن أقطعها إلى حوالي 120 كم تقريباً.
ربما يبدو الحديث عن رحلة بين منطقتين تقعان ضمن ما يعرف بالشمال المحرر أمراً غير مثير، إلا أن رحلتي الطويلة ستستغرق على الأقل ثلاث ساعات في حال لم تكن الطرقات مزدحمة، وسأمرُّ خلالها على ما يزيد عن 15 حاجزاً أمنياً ونقاط تفتيش وتفييش، فقررت أن هذا السفر السوري الروتيني الممل بالذات يجعله مثيراً.
الرحلة تبدأ الساعة الرابعة والنصف فجراً: علي انتظار السيارة "ميكروباص" في إحدى الساحات الرئيسية بمدنية إدلب، ويجب أن أتفقد حقيبتي جيداً والتأكد من الأوراق الثبوتية التي بحوزتي "هوية شخصية، بطاقة جامعية، هوية المجالس المحلية بأعزاز، ويفضل بعض الكتب الجامعية".
تنطلق السيارة باتجاه طريق إدلب-باب الهوى بعد جولات عدة في طرق إدلب الرئيسية، يصعد جميع الركاب وعددهم 12 راكباً؛ "الكل طلاب جامعة" يؤكد سائق السيارة وهو يسأل الحاضرين، وينادي "المدني ينزل على سيارة المدنية، ما بدنا لبكة على الحواجز“، ومن ثم يجمع البطاقات الجامعية ويضعها أمامه.
على طريق إدلب-باب الهوى يمكن معرفة القرى والمدن التي تقع على طرفي الطريق من عدد الحواجز المنتشرة، فعند كل مدخل قرية أو بلدة حاجز لهيئة تحرير الشام.
عند معرة مصرين وسرمدا الحواجز كبيرة ومسقوفة بألواح حديدية، وترفرف على جوانبها أعلام الهيئة ورايات التوحيد، وأحياناً بعض رايات الثورة، وعليها عدد عناصر أكبر من تلك التي عند حزانو أو البلدات الصغيرة الأخرى.
عناصر الحاجز ملثمون دائماً ومستنفرون؛ تتوقف السيارة عند الحاجز ليسأل العنصر السائق "لوين الوجهة"، يجيب السائق "طلاب جامعة" وهو يناوله البطاقات الجامعية، يأخذها بين يديه يقلبها بسرعة، ثم يدور حول السيارة ويحرك يده مشيراً "امشِ".
جميع العناصر على حواجز هذا الطريق الذي نصل عبره إلى دارة عزة التابعة لريف حلب، يكررون هذه الحركات، ودائماً يحرصون على أن تجلس الفتيات في الخلف والشباب أمامهم.
هذا الطريق ممل جداً، معظم الركاب صامتون، وراديو السيارة مقفل أو يرتل آيات من القرآن، المدخنون الذين يركبون معنا كانوا أكثر ضجراً، فكلما أشعلوا سيجارة يضطرون إلى رميها من الشباك قبيل الوصول إلى أي حاجز.
عند الحاجز الركاب ينظرون بالأرض، ويتركون العبث بهواتفهم النقالة.
لا توجد قرارات رسمية في إدلب تنظم طريقة الركوب بالسيارة، أو منع الدخان أو السماع للموسيقا، لكن العناصر الملثمين والذين تظهر ذقونهم إلى ما تحت اللثام "إلهن رهبة… وما بحبو هالشغلات" أخبرني أحد ركاب السيارة وقال لي "أنا ارتحتلك... لهيك حكيت قدامك"، قالها لي بعد عشر رحلات جلسنا فيها بنفس المقعد ولم نتفوه بكلمة.
في دارة عزة يقع حاجز يعرف باسم "المعبر"، ضخم يتكون من عدة مبانٍ صغيرة وعشرات العناصر وعمال التفتيش، هو آخر نقطة لمناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، وسنخرج بعدها إلى مناطق الجيش الوطني، وهو الحاجز الوحيد الذي يتم فيه تفتيش السيارات وتفييش الهويات.
عناصر هذا الحاجز يبحثون عن عبوات ناسفة وعن مطلوبين وعن أغراض مهربة (فليفلة، ملوخية، محروقات…) أي صنف من المواد التي يمنع إدخالها بحسب قرارات إدارة الحواجز وحكومة الإنقاذ التابعة للهيئة. كما يبحثون عن أي أدوات إلكترونية أو كهربائية أو أي بضائع يسمح بإدخالها لكنها بحاجة لدفع رسوم.
يأخذ عنصر من الحاجز الهويات والبطاقات الجامعية ويذهب إلى غرفة صغيرة مقابلة للحاجز للتفييش، وعند عودته ينادي بالأسماء ويناول كل راكب هويته أو بطاقته وهو يدقق في الوجه، ويسأل أحد الركاب فجأة "إنت من وين؟ شو بتدرس؟" ثم يشير للسيارة بأن تسير.
قرابة أربعة كيلومترات دون حواجز، فقط طريق جبلي تنتشر على جانبيه خيام للبدو وقطعان من الأغنام، يفضي إلى منطقة الغزاوية وأول حاجز لعناصر الجيش الوطني.
على الحاجز تعلق أعلام الثورة السورية وأعلام تركية بكثرة، وبعض شارات التوحيد على أكتاف بعض العناصر، وراية الجيش الوطني؛ لا يضع عناصر الحاجز اللثام، ومعظمهم يدخن بشراهة؛ وقوفنا لا يتجاوز دقائق، هو سؤال واحد "جميع الركاب طلاب؟"، "أجل طلاب" تفضل "سير" .
تلك الحسنة الوحيدة: أننا طلاب ويمكننا المرور، وحتى لو نشبت خلافات بين الجهات المسيطرة، فنحن لسنا محسوبين على أحد، نحن "طلاب".
في مناطق ما يعرف بغصن الزيتون ودرع الفرات لا تدري ما هي مهمة الحواجز سوى أنها توقف السير، كما يمكنك معرفة عددها بحسب عدد الفصائل والجماعات المسيطرة في كل منطقة، وعلى كل حاجز تعلق أعلام تركية وراية الفصيل وبعض أعلام الثورة.
يتأمل بعض عناصر الحاجز السيارة، يدورن حولها، يشيرون لنا بالمرور، لا يتحرك بعض العناصر من أماكنهم ويشيرون لنا سيروا، بعضهم يسلم على السائق بتحية كبيرة، "اتفضل حول... تيسّرْ.. الله معك" يردد بعض العناصر، بينما يطلب بعضهم سيجارة أو فنجان قهوة.
سألت السائق ذات مرة لماذا كل هذا التعقيد على الحواجز، وخصوصاً في منطقة إدلب؟ "بدهن يقاسمونا على رزقنا" رد علي، وعندما سألته هل حواجز الجيش الوطني أفضل؟ رد "كلو هون بالمصاري بينحل".
وصلت إلى الجامعة خلال ثلاث ساعات تقريباً، تقدمت للامتحان، ونسيت معظم المعلومات التي حفظتها، وشعرت بالذعر عندما تذكرت أن هذه الرحلة ستتكرر طيلة ثلاثة أسابيع حتى نهاية الامتحان.