مخبرون متطوّعون: الإعلاميّ الذي ينتظر الخلافة منذ 2006، والقرموطي والخيري وأبو الطيب وآخرون
على الرصيف، في هذا الشارع الفرعيّ الصغير من حيّ الحميدية، وفي ظلّ الجدار الذي تصنعه شمس العصر المتأخر؛ تبدو جلستنا وكأنها قبل خمس سنواتٍ من اليوم، لولا بعض مظاهر الدمار في البيوت خلّفها القصف، ولولا الزيّ الأفغانيّ الذي ارتداه أطفالٌ لا يكفون عن الركض والتراجم بالحجارة قبل أن يهدأوا في تمثيليةٍ خشنةٍ تقطع رأس أحدهم على أنه واحدٌ من المرتدّين.
يكره مضيفنا على الرصيف "داعش" إلى أبعد حدٍّ، ويساويها ببشار الأسد "في درجة السقاطة والإجرام"، حسب ما يقول. ولا يترك فرصةً إلا وينتهزها للتعبير عن هذا الكره. حاول طرد الأطفال "انقلعو من هون صرعتونا"، دون جدوى، وبرّر هذا بأن "داعش علمت العجيان عالوقاحة". وانطلق يعدّد مرّاتٍ كثيرةً تحدّاه فيها الأولاد، بل تحدّاه فيها أحد أبنائه، المراهق الذي تسلبه صورة "الداعشي الملثم عالمضاد ببيكاب دبل كبين مسرع". كان إفساد الأطفال والفتية باباً للانتقال إلى شؤونٍ "داعشيةٍ" أخرى. فهذا التنظيم الذي استقطب الحاقدين من أصحاب "القلوب السود" والحمقى و"السرسرية"، يدرك أن لا مستقبل له دون غرس بذاره في أنفس "العجيان". فقوافل الانتهازيين الذين بايعوه فور سيطرته على دير الزور لن تصمد أمام أيّ اختبارٍ حقيقيّ.
كنا نستمع إلى المضيف الغاضب الذي قارب الخمسين، وعاشر أوغاداً ومتلوّنين بعدد شعر رأسه الأشيب، حسب ما ذكّرنا بتجربته الواسعة كموظفٍ حكوميٍّ قديمٍ، وكملتزمٍ بالصلاة والصيام وبالدين ومنخدعٍ بكثير من المتظاهرين به منذ أول شلة متدينين تعرّف عليها أوّل شبابه. لكنه يلاحظ هذه المرّة أن الأمر صار كارثياً وشديد الخطورة على الدين نفسه. بمرارةٍ ساخرةٍ تساءل إن كان "القرموطي وأبو أحمد الخيري وأبو الطيب سليمية" هم حماة الإسلام والمدافعين عنه. بعد هذا التساؤل المضحك تنقل الحديث بين الشخصيات الثلاث التي تجمعها صفةٌ واحدةٌ هي "كتابة التقارير". فالقرموطي عاملٌ سابقٌ في مصنع الغزل الحكوميّ، أبدى أوّل الثورة سخطاً مكتوماً على المتظاهرين ثم على الجيش الحرّ لأن مستحقات تقاعده الوشيك تعرّضت للتهديد بسبب "هالحرب اللي خرّبت كلّ شي"، حسب التعبير المنقول عنه في الأيام الأولى من تحرير أحياء في مدينة دير الزور، وهي الأحياء المعرّضة دوماً للبراميل والقذائف. لكن شيئاً غير مفهومٍ في سلوك هذا الرجل، وهو عدم مغادرته المدينة، مما يؤكّد أنه مخبرٌ أصيلٌ للنظام. أحببت المشاكسة فقلت إن القرموطي، ورغم "خسّته"، ربما كان يحب بيته ويكره النزوح. ليقاطعني المضيف بعددٍ وافرٍ من الأدلة شبه الثابتة على أن هذا الرجل مخبرٌ قديم، جلب معظمها من ذاكرته قبل الثورة، ثم أيّدها بالانتماء المتغيّر للقرموطي من عضوٍ إداريٍّ في المجلس العسكريّ إلى إداريٍّ في مكاتب جبهة النصرة وقت صعود نجمها في دير الزور، انتهاءً بداعش التي بايعها فوراً وصار أحد المستتيبين فيها لكلّ من يشك فيه. بالتزامن مع كونه ناقل وشاياتٍ في مرحلة الجيش الحرّ، ومطلق إشاعاتٍ ومخبراً في عهد النصرة، ثم كاتب تقارير نوعيةٍ أدت إلى سجن أبرياء وإعدامهم في عهد "داعش".
ولا يقلّ عنه في درجة اللؤم وخسّة الطباع أبو أحمد الخيري، فنّي الصيدلة الذي يزعم أنه صيدلانيٌّ متخرّجٌ في جامعة. وكما هو متوقعٌ من صياد فرصٍ يفعل أيّ شيءٍ، وجد الخيري في "داعش" ضالته ليتسلق المناصب الإدارية في جهازها الصحيّ. حتى عُيّن، بعد أن زوّج ابنته للمهاجر أبو عبيدة الغزاويّ، رئيس ديوان الصحة، أميراً للإمداد الطبيّ والمستودعات في "ولاية الخير" كلها. وخلال كلّ هذا لم تتوقف تقارير الخيري بكلّ من عمل معه، مما أودى برئيس المكتب الطبيّ وبآخرين في سجون داعش، يعتقد أن بعضهم مات تحت التعذيب.
أبو الطيب سليمية شخصيةٌ مختلفةٌ قليلاً عن القرموطي والخيري. إذ لم تعرف سوابق شائنةٌ لهذا الشابّ الذي ارتبط اسمه باسم المكتبة والمطبعة الأقدم في دير الزور منذ أن كان يعمل فيها. ولكن أبو الطيب، حسب تفسيرات سيد جلستنا الرصيفية الخبير، تحوّل من نموذج الجبان إلى نموذج المخبر بسبب الجبن، فراح يتطوّع للإبلاغ عن أصحاب البيوت الخالية المقيمين في تركيا لتستولي عليها "داعش" وتحوّلها إلى مقرّاتٍ ومراكز ومساكن لعناصرها.
وإلى جانب الثلاثة استعرُضت سلسلةٌ من مخبرين آخرين، مثل إعلاميٍّ كان يقول إنه ينتظر الخلافة منذ عام 2006، ومهندسٍ عمل مع منظمة إغاثةٍ أجنبيةٍ ثم انقلب في عهد داعش ليكفّر كل من يعمل مع الأجانب، وآخرين سيكونون أوّل من يقفز من مركب "داعش" ليستأنفوا سلوكهم في التملق للسلطة الجديدة.