لطالما شكّلت فكرة "فقهاء السلطة" أو "علماء السلطان" نقطةً تحصّن وراءها الكثير من المتأثرين بالتيار السلفيّ في دير الزور، في معرض مخالفة أو رفض آراء العلماء والمشايخ والخطباء الكلاسيكيين السوريين. وتطوّر الأمر خلال الثورة إلى أن وصل إلى القطيعة النهائية مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية.
يعتمد التنظيم على الخطباء والأئمة والمؤذنين المعتمدين (الراتبين). ويخصّص لهم رواتب تصل إلى خمسين دولاراً في الشهر. وفي حال غياب أحد هؤلاء يتقدّم أحد عناصر التنظيم -المهاجرين خاصّةً- للقيام بعمل المعتمد. وفي حال عدم وجود أحد هؤلاء يتجنّب المصلّون التقدّم بسبب تعرّض البعض للمساءلة والمضايقات في أوقاتٍ سابقةٍ كان آخرها منذ شهرين حين تكلم خطيبٌ متطوّعٌ عن "أخلاق المسلمين، حين ترك جيش قتيبة بن مسلم، بأمرٍ من عمر بن عبد العزيز، مدينة سمرقند بعد دخولها لأنه لم يخيّر أهلها بين الحرب والسلم". وقد حاصره المهاجرون بعد الصلاة متسائلين عن قصده من ذكر الحادثة، قبل أن يعتقل لساعاتٍ ويجبَر على حضور دورةٍ شرعية.
يتولى مبايعون الخطابة، وهم من المبتدئين الذين لا يتجاوز معظمهم الثلاثين عاماً، إلى جانب بعض المستقلين المحترفين من أبناء المدينة، حرّض بعضهم على محاربة التنظيم قبل سيطرته على دير الزور. وقد أُخضع الجميع لدورات "تأهيل الخطباء" التي تستغرق ثلاثة أشهرٍ نظريةٍ يدرس فيها "الطلاب" ثلاثة كتيباتٍ رئيسيةٍ في الأصول الثلاثة والعقيدة والفقه، بالإضافة إلى حفظ جزءٍ من القرآن الكريم في الحدّ الأدنى. ويطرح الشرعيون على حاضري هذه الدورة الكثير من الآراء المتضاربة، خاصّةً فيما يتعلق بالموقف من الشيخ السلفيّ الشهير ناصر الدين الألباني، أو مكانة أبي بكر البغداديّ "كخليفةٍ راشديٍّ أم رجلٍ عاديٍّ هيّأه نسبه لمكانه". ويتدرّب الخطيب -بعد امتحانٍ نظريٍّ- لمدّة ثلاثة أشهرٍ أخرى في أحد جوامع القرى القريبة.
تنفرز الجوامع اليوم كيفياً إلى جوامع يخطب فيها أحد الخطباء المبتدئين الذين يلتزمون بالخطبة الورقية الرسمية، بما في ذلك الدعاء الختاميّ. يوزّع تلك الخطبة "ديوان المساجد والأوقاف"، ولا يتجاوز وقتها خمس عشرة دقيقة. ويتوافد على مثل هذه الجوامع الرجال الأكبر سناً، البعيدون عن الاستقطابات. أما القسم الثاني فيخطب فيها محترفون مستقلون أو مبايعون، يتوسّعون في الخطبة التي قد يصل وقتها إلى ساعة. ويتوافد إلى هذه الجوامع المهاجرون وعناصر التنظيم وصغار السنّ. ويخوض خطباؤها في أمورٍ ما زالت محلّ خلافٍ وتجاذب؛ كموقف التنظيم من سكان حيّي الجورة والقصور (قبل أن يعلن موقفه الرسميّ مؤخراً باستثنائهم من حربه على الكفار)، كما قد يتطرّق البعض إلى الحديث عن عظماء من المتصوّفة، كصلاح الدين الأيوبيّ. وربما يندرج التوسّع أحياناً تحت فكرة الإصلاح من الداخل.
وتعدّ الدعوة إلى الجهاد، وبيعة البغداديّ، والدعوة إلى القدوم إلى "الدولة"، وعدم مغادرتها إلى تركيا وأوروبا، من أبرز موضوعات الخطبة. في حين ألغى التنظيم الكثير من الشعائر التي كانت ترافق صلاة الجمعة، كبثّ تلاوة القرآن والأذكار من على المآذن قبلها، ومصافحة المصلين بعضهم بعدها قائلين: "تقبّل الله".
بعد حرق الطيار الأردنيّ معاذ الكساسبة اضطرب الأهالي في مدينة دير الزور، واستنكروا هذا التصرّف، بغضّ النظر عن موقفهم من الطيار. وراح الكثير من الشبّان يقلّبون الكتب الدينية المعروفة، كصحيح البخاري ومسلم، لتأييد وجهة نظرهم الموروثة القائلة بعدم جواز الحرق حتى لو كان المحروق حشرة، إذ "لا يحرق بالنار إلا ربّ النار". وعمّم التنظيم، بعد عملية الحرق، خطبةً برّر فيها عمله بأدلةٍ دينيةٍ لم تقنع الجميع. وقد قرأ الخطباء تلك الخطبة على الأهالي دون أيّ اعتراضٍ رسميّ. وبسؤال أحد الخطباء المستقلين -وقد ترك الخطابة مؤخراً- عمّا إذا كان الخطباء قد تحوّلوا بهذا إلى "خطباء سلطان" أجاب بحذرٍ ظاهر: "قد يكون الخطباء مقتنعين بالفتوى، أو ليس لديهم علمٌ شرعيٌّ يمكّنهم من ردّها. على أن الدولة لديها من العلماء والمفتين ما يمكّنها من إصدار مثل هكذا فتوى".
بينما يسأل خطباءٌ مستقلون آخرون كلّ من يجدون لديه بعض المعرفة الشرعية إن كانت له "مآخذ شرعية على الدولة".