تشير الملاحظة والإحصاءات الجزئية إلى تزايد عدد المفطرين في رمضان، وتناقص عدد مرتادي المساجد طوعاً، في ظلّ داعش. قد يرى البعض في ذلك مقاومةً سلبيةً، وقد يعدّه سواهم عناداً طفولياً يعود ضرره في النهاية على أصحابه، بينما لا يعتقد آخرون بضرورة ردّ الأمر إلى تفسيرٍ واحدٍ؛ فهو أحياناً ردّة فعلٍ، وأحياناً خيارٌ شخصيٌّ، وأحياناً ثالثةً انسحابٌ من الحياة العامة.
يشكو شبابٌ مستقلون، مواظبون أصلاً على التردّد إلى المساجد، من إحجام الكثير من الأهالي عن ارتيادها منذ سيطرة تنظيم الدولة على مدينة دير الزور، رغم أن المفترض أن معارضة التنظيم شيءٌ والامتناع عن دخول المسجد شيءٌ آخر. بينما يبرّر أحد الشباب امتناعه عن ارتياد المسجد بأنه ليس مستعداً للاستماع إلى "هبالهم" أو تدخلهم في لباسه أو في طريقة أدائه لصلاته، الأمر الذي كثيراً ما يحدث. وقد لاحظ أحد الناشطين السابقين الفرق الواضح في شهر رمضان المنصرم؛ إذ إن المشاركين في صلاة التراويح في المسجد الذي يرتاده لم يكملوا الصفين، أما سابقاً فكانوا يتجاوزون الصفوف الخمسة، علماً أن عدد السكان لم يتغير كثيراً، ويقدّر بـ25 ألفاً، وعدد الجوامع التي ما زالت صالحةً لإقامة الصلاة 17 مسجداً ومصلى، كانت عرضةً للقصف الأرضيّ قبل دخول التنظيم إلى المدينة، الأمر الذي توقف منذ دخوله.
أعدّ التنظيم لمعاقبة المفطرين بتجهيز أقفاصٍ لحبسهم تحت أشعة الشمس، أو صلبهم لمدة 24 ساعةً وجلدهم 70 جلدة. ولم تسجّل رسمياً أية حالات عقابٍ في المدينة، سوى حلاقة الشعر وحبس من أمسكت بهم دوريات التنظيم. ورغم ذلك فقد أفطر الكثيرون خفيةً، حتى أن البعض يقول إن نسبة المفطرين هذه السنة هي أكبر نسبةٍ رآها في حياته، وقد تصل إلى تسعين بالمائة. وفي إحصاءٍ أجراه أحد من سبق لهم أن عملوا في إعداد الإحصاءات، اعتمد فيه على التجاور، شمل 17 أسرةً في حيّه، بعد أن أخرج منها النساء والأطفال دون سن 15، فوجد أن 55% من البالغين مفطرون، بمن فيهم عناصر في التنظيم.
ورصد أحد الإعلاميين العاملين في الخفاء، في تقريرٍ مكتوبٍ، الاختلاف بين أوقات الأذان التي حدّدها التنظيم في المدينة والأوقات المعتمدة في مساجد الأحياء الخاضعة للنظام. فوجد أن أذان الفجر (موعد الإمساك) لدى التنظيم كان 3:49 صباحاً يوم 23 رمضان، وهو ذات الوقت الذي أمسكت فيه مدينة دمشق، أما مساجد القصور، التي لا تبعد سوى أمتارٍ، فرفعت الأذان في 3:24، بفارق 24 دقيقة، بينما يرفع أذان المغرب بفارق دقيقتين. وفي حين تعتمد وزارة أوقاف النظام على تقويم أمّ القرى أو رابطة العالم الإسلاميّ، يعتمد التنظيم -بحسب التقرير- على اجتهادات المسؤول عن المواقيت، أبو منذر المصريّ، الذي يستخدم نظره لتحديد أوقات الصلاة. وقد تنبّه الكثير من الأهالي لذلك فاعتمدوا، بعد حيرةٍ وشكٍّ، على أذان القصور، خاصّةً في الإمساك.
ومن جهةٍ أخرى أبلغ أمراء التنظيم عناصرهم في المدينة كي يستعدّوا لعملٍ عسكريٍّ في العيد. وقامت لجانٌ مركزيةٌ بتقييم جاهزية نقاط الاشتباك، وزوّدت مشفى فارمكس بـ225 كيس دمٍ من خارج المدينة. وبحسب أحد العاملين في الكادر الطبيّ فإن المشفى كان يحصل في السابق على ما لا يقلّ عن 150 كيس دمٍ من المتبرّعين عند أيّ قصف تتعرّض له أحياء المدينة، عدا حالات التطوع الكثيرة في أوقات الهدوء، والتي يضطرّ المشفى إلى رفضها بسبب ضعف إمكانياته في التبريد. أما اليوم فالتنظيم يحصل على الدم من دفع عناصره إلى المنح، وكذلك من السجناء لديه، أو الخاضعين لدوراته الشرعية، بالإضافة إلى منتظري خدماته، كذوي المرضى الذين بحاجةٍ إلى صرف الدواء المجانيّ.
في أول أيام العيد، تجوّل عددٌ من المهاجرين بسياراتهم في حارات المدينة، وتوقفوا في بعضها لنفح الأطفال 100 ل. س كعيديةٍ، وأخذهم للتجوّل بالسيارات في الشوارع الرئيسية بينما ينادي المهاجر من وراء المقود: "دولة الإسلام"، ليردّ الاطفال: "باقية". ولكن عندما وصلت إحدى تلك السيارات الى جانب تكية الشيخ ويس راح ما يقارب العشرين طفلاً في صندوقها الخلفيّ يهتفون: "الله محيّي الجيش الحرّ". ليتوقف المهاجر عندها، وينزل مذخّراً بندقيته، ويطردهم من السيارة.