صدر كتاب «عشرة أعوام مع حافظ الأسد 1990-2000» بقلم بثينة شعبان عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، مطلع هذا العام، وأعيدت طباعته أكثر من مرّةٍ منذ ذلك الوقت.
وقد ألِف السوريون حضور شعبان، كمترجمةٍ للأسد الأب أثناء مباحثاته بالإنكليزية، ولا سيما في محادثات السلام الطويلة والفاشلة خلال التسعينيات. وقد ظنوا وقتها أن لدى شعبان ما يؤهلها للمشاركة في الوفود السورية المفاوضة، فضلاً عن الترجمة، لا سيما مع الشهادة التي تحوزها (الدكتوراه في اللغة الإنكليزية وآدابها من جامعة ووريك البريطانية) ومع بُعدها عن وسائل الإعلام. ولكن هذا الظن سرعان ما تبخّر مع الحماقات التي صارت تترى من فم الدكتورة، عندما أصبحت وزيرةً للمغتربين، فمستشارةً للأسد الابن، ولكن خاصّةً بعد أن بدت نزعتها الطائفية الكريهة واضحةً أثناء الثورة.
وإذا كان متن هذا الكتاب ومحوره، أي المفاوضات السورية الأمريكية الإسرائيلية من أجل السلام، قد صار جزءاً من التاريخ، بعد تغيّر الحال السورية إثر الثورة، واختلاف صورة المنطقة عما كانت في التسعينيات؛ فإن أمارات عبادة الدكتورة شعبان لرئيسها هي أطرف ما يتبقى من هذه المذكرات، بعد تجاهل الصفحات الطويلة والمملة التي تتناسل من مقرّر «الثقافة القومية الاشتراكية» الذي كان مفروضاً في جامعات سوريا الأسد.
ومن ذلك أن نعلم أن علاقة شعبان ببطلها تعود إلى العام 1971، عندما كانت قد حازت للتوّ على الشهادة الثانوية، محققةً الدرجة الرابعة على مستوى القطر في الفرع الأدبيّ، وكان الأسد قد أقرّ منحاً للطلاب العشرة الأوائل في الفرع العلميّ لمتابعة دراستهم الجامعية، بينما اكتفى بالثلاثة الأوائل من الفرع الأدبيّ، مما يحرم طالبتنا الطموحة، ابنة قرية «المسعودية» في ريف حمص، من الحصول على المنحة. فقرّرت الشابة الصغيرة لقاء رئيس الجمهورية! فاقتحمت الكلية العسكرية بحمص، أثناء زيارة الأسد لها، واستطاعت إيصال شكواها رغم الحرس وعناصر الأمن، لتتلقى دعوةً إلى القصر الجمهوريّ بعد أيام. وسافرت الشابة الريفية بثيابٍ «ذات لون أحمر صارخ» إلى عاصمة البلاد لتقابل رئيسها، ولتفاجأ عندما أجابها: «معك حق»! وتبدأ مع هذا اللقاء قصة السحر التي جعلت شعبان ترى في حافظ الأسد معادلاً موضوعياً لا لتشرشل وأتاتورك وعبد الناصر فحسب، بل لنيلسون مانديلا!
كيف لا وقد كان سبب عدم حصول الأسد على إسعافٍ مباشرٍ، عندما وافته المنيّة، هو انشغال زوجته بعدّ «بعض النقود من أموال الزكاة التي تنوي إرسالها إلى عائلاتٍ مستورةٍ في المدن والقرى السورية. ولم تتوقف عن عدّ النقود، إذ ظنت أن زوجها يناديها لتساعده على تذكّر أحد الأسماء أو التواريخ»، وفق ما تنقل شعبان عن «السيدة أنيسة مخلوف».
تعرّضت شعبان لصدمةٍ شديدةٍ إثر وفاة الأسد، لم يخفّف عنها إلا زيارته لها في الحلم بعد عامٍ ليقول: «يا بثينة، لماذا لم تكتبي حتى الآن عن المرحلة التي عملتِ فيها معي؟ أجبتُ بقولي: «لأنني لم أعرف أين أبدأ وما نوع الكتاب الذي يجب أن أكتبه. هل ينبغي لي أن أكتب عن طفولتك وشبابك وعائلتك وحياتك المهنية؟» قال: «لا، لا! ليس عليك الكتابة في كل تلك الأمور. يكفي كتاب من أربعة فصول». وأوضح أن هذه الفصول يجب أن تركّز على سورية والغرب، وعلاقته بالغرب، ودوره في عملية السلام، وأخيراً: «حافظ الأسد وبيل كلينتون».
هذا هو الأسد الأب إذاً! لا يحكم البلاد والعباد من قبره فقط، بل يتكرّم بزيارة مساعديه في المنام ليوجّه أكاديميةً إلى ما تكتب ويحدّد لها فصوله، كمشرفٍ من عالم الغيب. وليأتي مثقفٌ عربيٌّ معروفٌ، هو عبد الإله بلقزير، ويقدّم مذكرات هذه الموظفة الصغيرة المبهورة بقوله إن «الشهادة التي تقدّمها أستاذةٌ جامعيةٌ وكاتبةٌ متمرّسةٌ غيرُ الرواية التي يقدّمها أيّ راوٍ آخر للأحداث وإن كان ذا كعبٍ عالٍ في مشهد الأحداث».
هو «كعب» القوميين العرب التقليديين، حلفاء الأنظمة الشمولية، المتغاضين عن حقوق الإنسان والحرّيات وكرامة المواطنين، إذ يتناغم مع بسطار ملالي إيران وميليشياتهم الطائفية المتعصّبة، ومع بقايا الرأس الماركسيّ المتعنّت الذي ورثه الحكم الروسيّ الفاسد؛ ليتشكّل هذا الحلف الممتدّ الداعم لإجرام الأسد.