حلب | الصورة لوكالة AFP
بانقضاء أيام الجولة الثانية من مفاوضات جنيف2، يبدو أن المؤتمر قد انتهى فعلياً. إذ لم ترشح عن الرعاة معلوماتٌ بشأن جولةٍ أخرى من الجلسات، التي بدت عقيمةً كما صرّح الجميع، باستثناء وليد المعلم، وزير خارجية الأسد. فالمعلم، الذي اعتاد التصريح من طيارة العودة إلى دمشق، وكأنه يقوم بعملٍ جادٍّ لا يحتمل تأخير الإبانة عنه؛ كان الوحيد الذي قال إن المفاوضات لم تفشل، طلباً للمزيد من الوقت، وتجنباً لاحتمال إحالة الملف السوريّ إلى مجلس الأمن، وفتح الباب أمام عملٍ عسكريٍّ ضدّ النظام.
ولكن، حتى لو سارت الأمور بهذا الاتجاه، مع الموقف الروسيّ المعروف، والتلكؤ الأمريكيّ المعروف أيضاً؛ فمن المستبعد قيام أيّ طرفٍ خارجيٍّ بتحرّكٍ ضدّ قوّات الأسد قبل انتهاء تسليم الأسلحة الكيماوية، التي لن يتورّع عن استخدامها بالطبع، تحت ذريعة «مقاومة» الغزو الأجنبيّ وقتها، ما دام يمنع نفسه بالكاد عن إعادة استخدامها ضدّ مواطنيه. ومن هنا نفهم أيضاً سبب مماطلته في تسليم هذه الأسلحة، التي سيغدو بعدها عارياً إلا من جيشه المتداعي والميليشيات الطائفية التي استعان بها، وهي قوىً لا تصلح لصدّ أيّ جيشٍ منظّم، وإن كانت ناجعةً في قتال الثوّار السوريين وأهاليهم ومدنهم.
وحتى ينتهي تسليم الكيماوي، مع ما سيتضمنه ذلك من مماطلةٍ وأعذارٍ وشدٍّ وجذب، يشعر النظام أنه في مأمنٍ من الأمر الوحيد الذي يخشاه بجدّيةٍ وعمق، وهو التدخل العسكريّ الخارجيّ. وذلك فضلاً عن الموانع الأخرى لهذا التدخل، من عدم رغبة الدول الغربية بإرسال جنودها ليواجهوا الموت في حربٍ لا تعنيهم بشكلٍ مباشرٍ وليس لهم فيها حليفٌ واضح، بالإضافة إلى الموقف الروسيّ المتعنّت وغير المكلف لهذا البلد، وأخيراً العين الإيرانية التي تتابع الوضع السوريّ بمعاينةٍ شديدة، وتتدخل فيه بشكلٍ متزايدٍ على الأرض، قد يصل إلى التدخل المباشر والعلنيّ في حال قدوم قوّاتٍ نظاميةٍ غير سورية، عملاً بمبادئ اتفاقية الأمن المشترك، وتحت ذرائع حماية «المقامات المقدّسة»، التي قد تثار في أيّ لحظةٍ بتفجيرٍ مجهول المصدر قد يصيب أحد هذه الأماكن، ويفتح لقوّات الحرس الثوري الباب، بعد أن كانت تدخل من نافذة النظام الواسعة.
إذاً، ربما كانت الأشهر القادمة مجرّد مراوحةٍ في المكان، مع المزيد من الضغط السياسيّ غير المجدي على النظام، وتدفق شحناتٍ أكبر من الأسلحة للثوّار، مع تطوّرٍ نسبيٍّ في نوعياتها لتحقق ردعاً أكبر لقوّات الأسد، وتقدّماً على بعض الجبهات التي لا يقودها من يعتبرهم الغرب والإقليم أعداء.
والمأمول من الثورة، طالما أنها تعرف أن الحسم ليس بمقدورها على المدى المنظور، أن تستغلّ الشهور القادمة في تنظيم شؤونها والارتقاء بها إلى قدرٍ من التكامل والانسجام على الأرض وفي السياسة، ولا سيما بعد أن برزت خلال الشهرين الماضيين المعارك الداخلية التي طالما حذر منها الجميع، كما استبانت خطوط الانشقاق السياسيّ الذي يهدّد البنى السياسية الهشة التي تعبّر عن الثورة، والتي استغرق إنشاؤها وتوسيعها والمحافظة عليها وقتاً وجهداً لا مجال الآن لرميهما والبناء من نقطة الصفر من جديد.
وقت السوريين من دم... لا نشك في هذه العبارة، التي ربما كانت أبرز ما قيل في جنيف2، ولكن إذا كان الوقت سيمرّ على أيّ حال، فليمرّ علينا ونحن نعدّ للمرحلة التالية، ونرابط للحفاظ على ما حققناه بالفعل ونحسن إدارته، فربما كان هذا هو «واجب الوقت»، سيراً باتجاه هدفنا الأساسيّ في إسقاط النظام وبناء دولة العدالة والكرامة الإنسانيّة.
قد تبدو هذه الرؤية متشائمة، وقد تحمل لنا الأيام تطوّراتٍ إيجابيةٍ غير محسوبة، غير أن البناء على هذه الحسابات الواضحة ـ مبدئياً، على الأقل - خيرٌ من فتح معارك عبثيةٍ تستهلك شهداء وإمكانياتٍ تهدر لصالح الحماس أو التسرّع أو البحث عن رضا الإعلام...