- Home
- Articles
- Radar
جامعة الفرات... طلبةٌ وأساتذةٌ ضمن القبضة الأمنيّة للنظام
القنص، القذائف العشوائية، مشاكل الكهرباء، الضغط الأمنيّ الرهيب داخل المدينة، التعرّض للاعتقال، ارتفاع أسعار الكتب والمواد التعليمية، الحواجز بكلّ أشكالها والتنوّع في انتماءات المسؤولين عنها، ندرة البيوت التي يمكن استئجارها وارتفاع إيجاراتها بحيث تصل إلى أرقامٍ خيالية؛ كلّ أشكال المعاناة هذه يعيشها الطالب الجامعيّ في دير الزور (الأخير منها يختصّ به الطلبة القادمون من خارج المدينة) ولكن هل تنتهي المعاناة هنا؟
ابتزازٌ واستفزازٌ قبل دخول الجامعة
هذا السؤال طرحته "عين المدينة" على العديد من طلبة الجامعة، بعد ازدياد الحديث عن الفساد والتدخل الأمنيّ في الحياة الجامعية، لملامسة بعض أوجه المعاناة التي يعيشها الطالب، وتضاف إلى سابقاتها. "م. ن" طالبٌ جامعيٌّ في إحدى الكليات، يتحدّث عن المعاناة التي تبدأ من لحظة الوصول إلى الباب الخارجيّ للكلية والاحتكاك بعناصر الأمن، وخاصةً أيام الامتحانات، حين يبدأ التدقيق على البطاقات الشخصية، وتبدأ سلسلةٌ من الابتزاز والضغط النفسيّ: "حين وصلت إلى باب الكلية، في أوّل مادةٍ من موادّ الامتحان، طلب أحد العناصر بطاقتي الشخصية. سألني من أين أنت، وسخر من مدينتي ومن بيئتي وحتى من الاختصاص الذي أدرسه. لي أخٌ شهيدٌ، وحين سألني العسكري إن كان أحدٌ من أقاربي قد استشهد عشت لحظة رعبٍ حقيقية. خشيت أن أقول له إن أخي شهيدٌ فيورّطني ذلك، وخشيت أن أكذب ويكون هو على علمٍ بالأمر، بطريقةٍ أو بأخرى، فيعرف أنني أكذب. ولكن الحمد لله انتهى الأمر بشراء باكيت دخانٍ وضعه في جيبه وأشار إليّ بقرفٍ أن أدخل لأقدّم الامتحان. هذه بالطبع صورةٌ من صور المعاناة التي يعيشها الطلبة عموماً، والطلبة الذين لهم أقارب في الجيش الحرّ خصوصاً. باختصار، هناك حالةٌ من الابتزاز يتعرّض لها الطلبة قبل الدخول، مع الكثير من الضغط النفسيّ".
في ورقة الامتحان... حساباتٌ أمنيةٌ وليست علمية
وبعد أن يدخل الطالب إلى الجامعة هناك معاناةٌ أخرى، تبدأ بقلّة التنظيم وتنتهي بالفساد بكلّ أشكاله. فبحكم وقوع الجامعة في المناطق التابعة للنظام، والمحكومة أمنياً من قبله، فلا بدّ أن تكون هناك معاملةٌ خاصّةٌ للطلبة والطالبات الذيــــن لهــم صـــــلةٌ، بــــــشكلٍ أو بآخر، بالفروع الأمـــــنية. الطالبة "س. ف" تحدّثت عن تلك الحالة بقدرٍ كبيرٍ من الحسرة، فبعد أن كانت من المتفوّقات في السنتين الأولى والثانية تراجع معدّلها بسبب انخفاض العلامات التي حصلت عليها في موادّ السنتين الأخيرتين، مما يؤثر على مستقبلها بشكلٍ عامّ: "باختصار، لا توجد مراقبةٌ تتعلق بالأساتذة الجامعيين، ولا أيّ شكلٍ من أشكال المحاسبة. ولا يجوز للطالب الاعتراض على علامته بالرغم من أنه يدرك تماماً أن هذه ليست العلامة التي يستحقها، وأن طالباً آخر قد حصل على علامةٍ عاليةٍ لا يستحقها لأنه ابن مسؤولٍ أمنيٍّ أو قريبٌ له. صار من الثابت لدى الطلبة أن العلامات وارتفاع المعدّلات وانخفاضها له حساباتٌ أمنيةٌ وليست علمية. بل وربما قلةٌ من الأساتذة من يدققون في أوراق الامتحانات، أو ربما ينظرون إليها حتى. ولا يختلف الأمر كثيراً حين نتحدّث عن العلاقات بين الأساتذة أنفسهم، وارتفاع صوت أحدهم على الآخر لأن له ارتباطاً أمنياً أقوى من غيره".
حين يثأر بعض الأساتذة لكرامتهم
هذا على مستوى الامتحان، أما في الأيام العادية للدراسة في الجامعة فلا يقلّ الأمر سوءاً عن أيام الامتحانات وطريقة إدارتها. فهناك استهتارٌ كبيرٌ بجهد الطلبة من قبل الدكاترة القائمين على التعليم. "نور" طالبةٌ جامعية، تتحدّث عن بعض السلوكيات التي يمارسها الأساتذة في الجامعة، وخفض رأسهم أمام أصغر عنصر أمنٍ يمكن أن يطرق بابهم: "في المدرّج الدراسيّ، وأثناء المحاضرة، قد تجد ابن مسؤولٍ أمنيٍّ (صغيرٍ أو كبيرٍ) يخرج ويدخل إلى المحاضرة كما يشاء، أو يأتي السائق الخاصّ لكي يصطحبه دون أيّ اعتبارٍ للمحاضرة القائمة. هذا من جهة، ومن جهةٍ ثانيةٍ هناك سلوكٌ مغايرٌ من قبل الأساتذة تجاه الطلبة العاديين، فهم يتعاملون بفوقيةٍ شديدةٍ مع عموم الطلبة.
وكأن الأستاذ، من خلال هذا السلوك، يحاول الثأر لكرامته عبر إذلال بقية الطلبة الذين لا "سند" أمنياً لهم. عدا عن الاستهتار بجهد الطالب - وهذا الأمر كان موجوداً قبل الثورة من قبل العديد من الأساتذة، إلا أنه أصبح سلوكاً عاماً وطبيعياً بعد الثورة، ولا يجوز الاعتراض عليه - فقد يحدّد الأستاذ جزءاً من المقرر ثم توضع أسئلة الامتحان من جزءٍ آخر لم يكن قد مرّ عليه أبداً!".
ومن الـــــظواهر التي كـــــــــانت موجودةً، ولكن على نطاقٍ ضيقٍ قبل الثورة، واستفحلت الآن بشكل يدعو إلى اليأس بين الطلبة، ظاهرة شراء المواد. فلدى العديد من الأساتذة سعرٌ معينٌ لكلّ مادة، بل الأدهى من ذلك أنه لدى بعضهم سعرٌ لكلّ معدّل نجاحٍ بالمادة. ولا يحتاج الطالب إلى عناءٍ كبيرٍ للعثور على طريقة الوصول إلى الأستاذ ومعرفة "تسعيرة المادة"، فهذه الأمور تتمّ على المكشوف ومن دون مساءلة. وقد يرتفع سعر المادة بحجة ارتفاع الأسعار عموماً، والغلاء الذي يلتهم كل شيء! وعلى الطالب أن يدفع ضريبة ذلك إن أراد النجاح.
بالطبع، سلوكياتٌ من هذا النوع كانت موجودة أساساً قبل الثورة، ولكنها لم تكن فاقعةً إلى هذا الحدّ، بشكلٍ جعل من الجامعة مكاناً أمنياً بامتياز، ومن أستاذ الجامعة شخصاً فاسداً أو شخصاً بلا قيمة، ومن الطلبة أشخاصاً لا يحقّ لهم الدفاع عن أنفسهم أو المطالبة بحقوقهم.
كليّة الطب البشريّ... كليّةٌ بدون مقوّماتٍ حقيقية
يشكو طلاب الكليات العلمية في جامعة الفرات في دير الزور، وخاصةً أولئك الطلبة الذين انتقلوا إليها "نقلاً شرطياً" من جامعتي حلب ودمشق، من سوء الخدمات التعليمية المقدّمة لهم بالمقارنة مع الجامعتين المذكورتين. وتتضح هذه المشكلة أكثر عند الطلبة في كلية الطبّ، فقد تحوّل المنهاج لديهم إلى منهاجٍ نظريٍّ تقريباً، بلا أيّ شكلٍ من أشكال التفاعل مع المادة العلمية. فصارت المقرّرات المعطاة للطالب مجرّد معلوماتٍ مهمته الاحتفاظ بها في دماغه ثم تسجيلها على ورقة الامتحان، ليتمّ محوها بشكلٍ تلقائيٍّ من ذاكرته بمجرّد خروجه من قاعة الامتحان. وكلية الطب في دير الزور هي أساساً كلية حديثة النشوء، لم يتمّ لها استكمال احتياجاتها قبل الثورة، فقد كانت تتشارك مع بعض الكليات التي سبقتها في العدد والأدوات المخبرية. وقبل أن تكمل الكلية الأساسيات الضرورية لأية كلية طبٍّ بشريٍّ بدأت الثورة وعاشت البلد حالة فوضى كبيرةً لم تسمح لها بالنهوض كما يجب، وبدا النظام غير معنيٍّ بتقديم ما تحتاجه الكلية بصورةٍ سليمة. فلا تزال هناك مشاكل كبيرة تعيق إعداد الطالب بشكلٍ يتناسب مع المهمة التي ستلقى على عاتقه. ومن هذه المشاكل ما يتعلق باستكمال المعدّات الأساسية من مخابر وغير ذلك، بالإضـافة إلى مشــــاكل تتعـــــلق باستكمال الكادر التعليميّ، خاصةً بعد هجرة العديد من الأطباء إلى خارج القطر، أو ابتعاد بعضهم عن التدريس في الجامعة لأسبابٍ أمنية. وقد شكّل هذا النقص ثغرةً كبيرةً لجأت إدارة الجامعة إلى سدّها بالاستعانة بأساتذةٍ ليست لديهم الكفاءة العــــــــــلمية التي تؤهلـــــــهم للتــــــــدريس في الكلية.