مطلع هذا الشهر، نشرت صحيفة هافتينغتون بوست –وهي إحدى الصحف الإلكترونية الأكثر انتشاراً في الولايات المتحدة- تقريراً مطوّلاً تحدّث عن معلوماتٍ بأن مباحثاتٍ تركيةً قطريةً سعوديةً تجري للدفع بعجلة الخلاص في سورية، بُعيد بدء عاصفة الحزم للقضاء على تمدّد الحوثيين، ذراع النفوذ الإيرانيّ في اليمن.
وأكّدت هذه الأنباء تصريحاتٌ تركيةٌ لذات الصحيفة في وقتٍ لاحق، في حين رفضت الولايات المتحدة التعليق على التسريبات بأن واشنطن، وإن لم تبدِ استعدادها للمشاركة، إلا أنها أبدت عدم معارضتها، وهو ما عبّر عنه الرئيس الأميركيّ بارك أوباما في تصريحٍ الشهر الماضي في معرض جوابه عن عدم تدخل بلاده في سورية بالقول: "لماذا لا تتدخل الدول العربية؟".
تأويل هذا الاتفاق، وفق تحليل عدّة صحفٍ أميركيةٍ منها نيويورك تايمز، أن القيادة السعودية الجديدة، التي شاركت الإخوان المسلمين في حربها على الحوثيين باليمن، لا ترى فيهم عدوّاً كما اعتبر الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز الذي توفي مطلع العام الجاري. وفي سوريا، بدا هذا الاتفاق جلياً على الأرض في الانتصارات التي حققتها المعارضة السورية المسلحة في جبهات كلٍّ من إدلب وجسر الشغور وجبل الأربعين بقيادة جيش الفتح المنتظر انضمام المزيد من الفصائل إليه بعد حصوله على تعزيزاتٍ عسكريةٍ مرتقبةٍ خلال الأيام الماضية، ليكون هو ثمرة التحالف القطريّ السعوديّ التركيّ.
عوائق مقلقة
يستدعي هذا التطوّر "تفاؤلاً حذراً"، كما عبّر خالد خوجة، رئيس الائتلاف الوطنيّ السوريّ، في لقاءاتٍ غير رسميةٍ، خلال زيارته الأخيرة لواشنطن. فإن كانت الخارجية الأميركية قد وعدته بدراسة مقترحه بإنشاء مناطق آمنةٍ بجدّية، فإنها لم تعطِ وعوداً بتغيير سياستها، في ظلّ تشديدها الدائم على الحلّ السياسيّ، الذي يتفق عليه أقطاب المجتمع الدوليّ، دون أن تُحدّد تفاصيله، باستثناء نصّ بيان جنيف الأوّل الذي يُقرأ بروايات.
ثمة ثلاث عقباتٍ تمرّ بها القضية السورية خلال الأيام القادمة، يمكن بعدها الحديث إما عن استمرار النزاع لسنواتٍ عديدة، أو أن يُحسم الوضع لصالح الثورة خلال أشهر، وهو ما عبر عنه خالد خوجة.
العقبة الأولى هي قمة كامب ديفيد التي صدر بيانها الختاميّ مساء يوم الجمعة الماضي، بعد أن كان دبلوماسيون خليجيون وعدوا مصدراً للائتلاف في واشنطن بأن يُطرح الشأن السوريّ بقوّةٍ خلال لقائهم بأوباما. ولكن، من البيان الختاميّ، بدا أن ملفَّي اليمن والعلاقة مع إيران حازا على النصيب الأكبر من المحادثات. ونورد هنا الجزء المتعلق بسوريا، والذي تمكن قراءته بعدّة أوجه. يقول نصّ البيان: "القادة ملتزمون بمواصلة العمل من أجل إيجاد حلٍّ سياسيٍّ دائمٍ في سورية، وأن تنتهي الحرب، ويتمّ إنشاء حكومةٍ شاملةٍ تحمي جميع الأقليات العرقية والدينية، وتحافظ على مؤسسات الدولة. وأكدوا مجدّداً أن الأسد فقد كلّ شرعيةٍ، وليس له دورٌ في مستقبل سوريا. كما أكّد القادة على دعمهم بقوّةٍ للجهود المتزايدة لتدمير تنظيم الدولة (داعش) في سوريا، وحذروا من تأثير الجماعات المتطرّفة الأخرى، مثل جبهة النصرة، التي تمثل خطراً على الشعب السوريّ وعلى المنطقة والمجتمع الدوليّ. وأعربوا عن قلقهم العميق إزاء استمرار تدهور الوضع الإنسانيّ في سوريا، وأدانوا منع توزيع المساعدات على السكان المدنيين من قبل نظام الأسد أو أيّ طرفٍ آخر".
العقبة الثانية أمام المعارضة السياسية السورية هي مشاورات جنيف3 الجاري عقدها هذه الأيام، بعد أن دعا مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا مئات الجهات المعارضة لحضور المشاورات التي سيضع فيها المعارضة أمام أسئلةٍ محرجةٍ تظهر تشتتها، وعدم إعدادها لخطةٍ جاهزةٍ سواءً للسقوط المفاجئ للنظام، أو آلية إنشاء هيئةٍ سياسيةٍ تستبدل به في إطار الحلّ السياسيّ.
أما آخر العقبات فهي انتخابات الائتلاف الوطنيّ المعارض القادمة. فقد خلّف خوجة انطباعاً جيداً لدى الخارجية الأميركية، لكنها، في الوقت نفسه، عبّرت عن خشيتها من احتمال عدم فوزه في الانتخابات القادمة، وهو ما يعني أن الحراك السياسيّ السوريّ قد يتراجع أشهراً إلى الوراء في حال خسارة خوجة، التي ستستدعي مجدّداً تفاهماً صعباً لدى أقطاب المعارضة التي تتقاسم جهاتٌ دوليةٌ مختلفةٌ النفوذ عليها.