- Home
- Articles
- Radar
تعليم الرقة:ثلاثة أعوامٍ من الجهل في ظلّ داعش
منذ مطلع العام 2014، وبعد أن أحكمت سيطرتها على الرقة، بدأت داعش تدخلاتها في الحقل التعليميّ الذي ظلّ على حاله السابقة قبل الثورة، تقريباً، بعد تحرير المدينة من قوات الأسد في آذار 2013. فمنع التنظيم الاختلاط بين الجنسين في المدارس الابتدائية، ومدرسة المتفوقين الإعدادية والثانوية، وفي ثانويات التجارة والزراعة والصناعة، وهي المدارس التي كان يُسمح فيها بالاختلاط، وحصر تدريس المعلمات بالإناث والمعلمين بالذكور من الطلاب، بالتزامن مع فرض النقاب على جميع الطالبات والمعلمات.
خلال الأشهر اللاحقة واصلت مدارس الرقة عملها، وحاول المعلمون التكيف مع قرارات داعش وبياناتها الخاصّة بالشأن التعليميّ، ومنها إخضاعهم لدورات استتابةٍ عن ماضيهم الوظيفي في «مدارس النظام»، وحذف بعض المواد من المناهج، وحذف بعض المفاهيم من المواد المسموح بتدريسها. وفي كانون الأول من العام 2014 أصدر ديوان التعليم لدى التنظيم (البيان والتعميم رقم 9)، الذي ألغى وبشكلٍ نهائيٍّ المنظومة التعليمية، وقال إن «الدولة الإسلامية»، بعد أن نظرت في «المناهج التعليمية للحكومات الكفرية المرتدة»، وجدت أن «المنظومة التعليمية الحالية.... منظومة منحرفة، تقوم على الدعوة إلى الكفر وترسيخ مبادئ العلمانية»، ولهذا، حسب البيان، قررت «الدولة» إغلاق مدارس الرقة –والمدارس الأخرى في مناطق سيطرتها- إلى حين إعداد مناهج جديدة «منضبطةٍ بضوابط شرعنا الحنيف». ونوّه البيان إلى أن مرجعيته هي بحثٌ أعدته هيئة البحوث والإفتاء بعنوان «رسالة توضيحية في بيان حكم المنظومة التعليمية في الحكومة النصيرية».
بعد شهرٍ من هذا البيان الجذريّ افتتحت داعش مدارسها في مدينة الرقة، وروّج أنصارها –في خريف عام 2014 وبعده- صور أغلفة بعض الكتب المدرسية التي قالوا إنها في طريقها من الموصل إلى الرقة، لكنها لم تصل، أو على الأقل لم توزّع –وربما لم تطبع- حتى الآن على الطلاب والمعلمين، كما يفترض بالكتب المدرسية «الطبيعية».
الأمر الآخر شديد الأهمية في هذه القضية هو تقليص عدد المدارس إلى حدٍّ كبير. إذ بلغ عددها، وفق ما أعلن ديوان تعليم داعش في الرقة، 12 مدرسةً للذكور ومثلها للإناث، فيما كانت مدينة الرقة تحوي، حسب معلمين سابقين، 115 مدرسة، منها 64 ابتدائيةً و36 إعداديةً و10 ثانوياتٍ للبنين والبنات، عامةٍ وفنية، إضافةً إلى المدارس المهنية. وتجاوز عدد المعلمين المسجلين في ملاك مديرية تربية الرقة (الحكومية) 4000 معلمٍ ومعلمة، نصفهم تقريباً يعمل في مدارس المدينة. وفاق عدد طلاب الرقة –مدينةً وريفاً- 300 ألف طالبٍ في العام 2010، في حين لم يتعدّ عدد الطلاب الذين مرّوا على مدارس داعش المفتتحة المئات وفق أعلى التقديرات، هذا في العام الأول من إطلاق داعش تعليمها الخاصّ، قبل أن ينخفض العدد بالتدريج إلى حدٍّ كبيرٍ في العامين التاليين من سيطرتها على الرقة.
في العام الدراسيّ الفائت، ومطلع هذا العام، كفّ ديوان تعليم داعش عن إصدار المزيد من البيانات والقرارات، التي أوحت أول عهده بقدرٍ من الجدّ والاهتمام يوليه الدواعش لمسألة التعليم. وكشفت يوميات المعلمين ومرويات آباء الطلاب بخصوص تعاطيهم مع مسؤولي داعش في ديوان التعليم عن جهلٍ فاضحٍ لدى الأخيرين ببديهيات العمل المدرسيّ. وأدت تعليمات هذا الديوان المتناقضة ووعوده الكاذبة إلى انعدام الثقة به حتى من طرف أشد المصدّقين والمتملقين له. وتضاءلت الكتلة العددية –الصغيرة أصلاً- للمفرّغين للتعليم من مبايعي داعش بإرغامهم على القتال في معارك التنظيم، إلى حدٍّ يبدو معه اليوم وكأن جهاز تعليم داعش قد تلاشى.
خلال الشهر الأخير، ومع بداية عامٍ دراسيٍّ افتراضيٍّ جديد، افتتحت داعش بعض المدارس في بعض البيوت المصادرة، واقتصر منهاجها التعليميّ على المواد الدينية واللغة العربية والحساب، وسجل فيها بين 200-300 طالبٍ، حسب تقديراتٍ غير دقيقة، اضطر ذووهم إلى إرسالهم لغياب البديل، قبل أن يتوقف العمل بها كما حدث في العام الماضي. وسمح التنظيم في هذا العام بافتتاح مدرستين خاصّتين -في بيوتٍ أيضاً- تعملان بإشراف داعش وتحت رقابتها، واحدةٍ للمرحلة الابتدائية وأخرى إعدادية، ميزتها الرئيسية هي تدريس المواد الأخرى المحذوفة، لكن عدد التلاميذ فيها لن يتجاوز رتبة العشرات، فيما سيضاف هذا العام عشرات ألوفٍ آخرون من الأطفال في الرقة إلى طائفة الأميين.