عندما تواصل حسن الذي يقيم في تركيا مع والدته -التي لا تزال تعيش في مدينة اللاذقية الخاضعة لسيطرة النظام- من خلال مكالمة فيديو، دُهش من منظرها واحمرار عينيها والدموع التي تسيل منهما، لأن والدته التي تسكن ضمن حي قنينص كانت تعد الطعام على الحطب. هذا ليس حال والدته فقط، بل حال أغلب سكان المدينة التي يعيش الأهالي فيها حالياً ظروفاً وحياة أقسى وأصعب من حياة المخيمات، بحسب ما أوضح عدد منهم.
لايتوفر الغاز إلا بصعوبة وبعد معاناة، وهو ما دفع الأهالي إلى البحث عن بدائل للطبخ، فكان الطبخ على الحطب هو الأسهل. يجمعون بقايا الخشب والكرتون وما يتوفر لهم من حطب، خصوصاً ضمن الأحياء الشعبية وطوق المدينة التي تحيطها بعض الجبال؛ يتوجه نحوها المحتاجون ويجمعون بقايا الشجر، فضلاً عن انتشار "البوابير"، فسعر أسطوانة الغاز في اللاذقية يزيد عن ستين ألف ليرة عند شرائها من الأسواق، وفي حال انتظرت العوائل للحصول عليها عبر "البطاقة الذكية"، فإن العائلة الواحدة تحصل على عبوة كل شهرين وعشرة أيام بخمسة آلاف ليرة سورية، لكن من غير الممكن أن تكفي الأسرة كل هذه المدة، لذلك يجبرون على شراء غيرها خلال هذه الفترة، وبسبب ارتفاع سعرها وعدم توفرها في أغلب الأوقات، يجبرون على الطهي بهذه الأساليب.
أما بالنسبة إلى حال الكهرباء فقد وصل لغاية السوء، حيث باتت فترة الانقطاع ستة ساعات مقابل ساعة تشغيل واحدة، وهذا ما يجعل الناس تعتمد على "اللدات" والبطاريات لتأمين بعض الضوء ولشحن الهواتف، في حين أصبح تأمين الخبز الهم الأكبر، وبذلك يعيش السكان هناك ظروفاً أسوأ من حياة الأسر النازحة في المخيمات التي تسبب بوجودها النظام أيضاً، وحوَّل حياة من بقي عنده إلى جحيم.
يرى من تحدثت إليهم ”عين المدينة“ من الأهالي، أن حياة المخيمات أسهل من حياتهم، فهناك يستطيعون أن يعدوا الخبز على التنور، ويتوفر الطحين لديهم، بينما حتى هذه الميزات لا تتاح لسكان اللاذقية الذين يعيشون ظروف حياة المدينة من ناحية السكنى في أبنية والعيش في ازدحام، لكن ذلك بالتحديد هو ما يحد من مساحات البحث عن الحطب، كما يعتقد قسم منهم، أو حتى قطف أي شيء من الجبال والأراضي، بينما هذه تعتبر ميزات للسكان في المخيم، الذين بإمكانهم زرع بعض أصناف الخضار بجوار خيمهم.
يأتي كل ذلك في وقت صدور قرار إغلاق الأسواق في الثامنة مساء بقرار مفاجئ صادر عن مجلس المحافظة برر بوضع الكهرباء، ونص على إغلاق المحلات التجارية ومحلات بيع الألبسة وجميع الأمور غير الضرورية، وبقاء محلات المواد الغذائية حتى الساعة ١٢ ليلاً، ليضفي هذا القرار بعداً مشهدياً يعمه السواد على المدينة مع اإغلاق أسواقها وغياب الحركة في وقت مبكر.
بينما يعتمد الغالبية على أقدامهم للسير حتى لو كانت المسافة بعيدة، ما يعطي انطباعاً بأن المكان تحول إلى مدينة موتى على قيد الحياة، تشكل فيها حتى المواصلات عبئاً ثقيلاً على السكان بسبب ارتفاع أجورها قياساً إلى مداخليهم، الأمر الذي دفعهم إلى العزوف عن الركوب بسيارات الأجرة، بينما تسير الباصات شبه خالية أيضاً.
يوضح الناشط المدني المعارض ابن مدينة اللاذقية شادي العوينة لـ“عين المدينة“، أن المقارنة بين حياة الأهالي في اللاذقية وبين حياة النازحين في المخيمات باتت منطقية وطبيعية في ظل تشابه الظروف مع وجود فوارق بسيطة، فهو يرى أن حياة الخيمة صعبة، وخاصة مع اقتراب الشتاء، "لكن ما نشاهده في المدينة من غياب تام لجميع مقومات الحياة، وأهمها الماء والخبز المتوفران في المخيمات بشكل يومي ومجاني، لا نجده في أغلب المخيمات".
وأضاف أن "العمل في المكانين غير متوفر، ومن خلال التواصل اليومي مع عوائلنا في اللاذقية، نجد أن الناس هناك تتمنى أن تخرج منها حتى لو كان إلى الخيمة".