عقودٌ تتالت في ظلّ النظام الأسديّ المشرف اليوم على الهلاك، عاشت فيها المرأة السورية وهي تحاول الخروج من الشرنقة لتستنشق هواءً نقياً وتحيا في جوٍّ يليق بالطاقة التي تمتلكها، إلا أنها كانت تصطدم على الدوام بقوانين مهترئةٍ أرادت لها أن تبقى خارج دائرة الحياة، وتنظيماتٍ وهميةٍ واتحاداتٍ زائفةٍ لم تجمع على إلا على ضرورة تحويلها إلى كائنٍ غير فاعلٍ ينخرط في أنشطةٍ وهميةٍ متعددة.
"عين المدينة" حاولت رصد واقع المرأة بعد التحرير في دير الزور وريفها، ومدى انخراط هذا الكائن في الحياة العامة بعد الثورة، فالتقت بالسيدة نوران أحمد، العاملة في إحدى مؤسسات المجتمع المدنيّ، لتحدثنا عن أهم المجالات التي حاولت المرأة اقتحامها بعد التحرير، فقالت: يمكن أن ينقسم عمل المرأة ومساهمتها في الحياة العامة إلى طورين؛ الأول مرتبطٌ بالهمّ الانسانيّ وجاء مباشرةً بعد التحرير، فرأينا العديد من السيدات يشكلن مجموعاتٍ معلنةٍ للعمل في المجال الإغاثيّ مثلاً، فشاهدنا فتياتٍ يعملن في متابعة عوائل الشهداء ومحاولة البحث عمن يعيلهم والتواصل مع الجمعيات العاملة على الأرض أو الجهات الداعمة، كما كانت لهنّ مساهمةٌ كبيرةٌ في العمل الإغاثيّ عموماً. أما الطور الثاني فجاء بعد أشهرٍ من التحرير عندما أدركت أن دورها لا يتوقف عند الهمّ الإنسانيّ، فبدأت بالانخراط في العديد من الأنشطة الاجتماعية سواءً بشكلٍ فرديٍّ أو منظم، من خلال عمل العديد من المؤسسات التي كان للمرأة دورٌ في تأسيس بعضها. ففي المناطق المحرّرة من المدينة برزت سيداتٌ كثرٌ في مجال العمل الاجتماعي، فحركة نشطاء مثلاً ضمّت العديد من النساء الفاعلات في مجالات التثقيف والتوعية الصحية والعمل الميدانيّ، وكذلك منظمة صامدون، ومؤسسة سما لحقوق الإنسان، وغيرها. ولم تكن النساء أقلّ تنظيماً في مدينة الميادين، فهناك العديد من المؤسسات التي لعبت النساء دوراً كبيراً في تأسيسها وتطويرها، ففي مؤسسة خطوات مثلاً تفوق نسبة النساء العاملات نسبة الرجال. وحين وجدت المرأة مؤسساتٍ عديدةً تقتصر على الذكور تشجعت على محاولة تشكيل توليفاتٍ نسائيةٍ خاصةٍ بالمرأة وتهدف إلى النهوض بها، فمنظمة اللؤلؤ المكنون مثلاً تقتصر على مجموعة من الفتيات عملن على تشكيل تجمعٍ خاصٍّ بهنّ يهدف إلى تعميق الوعي لدى النساء عموماً. ومن التجمعات النسائية التي برزت فيها المرأة بشكلٍ ملفتٍ كان تجمع الحرائر - وأقصد حرائر الميادين - اللواتي عملن على إعطاء صورةٍ جميلةٍ عن الثورة السورية وثائراتها، فأقمن العديد من الأنشطة المميزة والمهمة، وشجّعن على إبراز الجانب الفنيّ في المنتسبات إلى التجمع من خلال المعارض.
العمل الاجتماعيّ علاجٌ للبطالة وتوقف الجامعات
وعن الشرائح الاجتماعية الأكثر فعاليةً وأعمار الإناث اللواتي حرصن على أن يكون لهنّ دورٌ اجتماعيّ، التقينا بالآنسة أريج ناصر، وهي طالبةٌ جامعية، فقالت: إن الشريحة الأكثر عطاءً وتفاعلاً كانت شريحة الفتيات الجامعيات. وإذا نظرت الآن نظرةً سريعةً إلى التنظيمات العاملة على الأرض فلن يكلفك الأمر الكثير من العناء لتدرك أن الإناث من سنّ عشرين إلى ثلاثين سنة هنّ الأكثر حيويةً وتفاعلاً، وليس هذا غريباً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن تعطل الدراسة بشكلٍ نسبيٍّ في بعض الجامعات، وصعوبة الوصول إلى بعضها الآخر لأنها تقع في مناطق واقعةٍ تحت سيطرة النظام الأسدي، قد أدّى إلى بقاء قسمٍ كبيرٍ من فتياتنا بلا دراسة، وقسمٍ كبيرٍ من الخريجات أيضاً بلا عمل، وهذا الفراغ هيأ لهنّ وقتاً كافياً للانخراط في العمل الاجتماعيّ والمشاركة، بل وربما تأسيس العديد من مؤسسات المجتمع المدنيّ، لتشكل بدايةً محفزةً للخروج من الشرنقة.