لندزي هيلسم
الغارديان/ 4 تشرين الأول
ترجمة مأمون حلبي
كثيرٌ من السوريين في طرطوس واللاذقية ينظرون إلى فلاديمير بوتين كصديقٍ مخلصٍ سيضع نهايةً للحرب.
مدينة جبلة مكانٌ جيدٌ لمتتبعي حركة الطائرات. في الأسبوع الماضي أقلعت أعدادٌ كبيرةٌ من القاذفات المقاتلة –سوخوي 24، 25، 32– من قاعدة باسل الأسد الجوّية، التي تقع على بعد أقلّ من ميلٍ واحدٍ من المدينة. كانت الطائرات تهدر في سماءٍ خريفيةٍ غائمةٍ وهي تتجه إلى أهدافها في شمال وشرق سوريا. طوال الأسبوع كانت طائرات توبوليف للنقل تهبط آتيةً بالرجال والعتاد. وجنوباً، على بعد 50 ميلاً في ميناء طرطوس، ترسو سفنٌ روسيةٌ محمّلةٌ بالذخيرة وبإمداداتٍ أخرى من أجل الحملة الروسية الجديدة التي ترمي إلى طرد أعداء الحكومة السورية. يقول أهالي المنطقة إن الطريق الساحليّ غالباً ما يكون مغلقاً في الليل لكي يتمّ نقل الأسلحة من القاعدة البحرية الروسية إلى المطار. ليس لدى هؤلاء الأهالي شكاوى. لا أحد منهم يكترث من أن الروس قالوا إنهم سيستهدفون تنظيم الدولة الإسلامية لكنهم يضربون مجموعات المتمرّدين الأخرى. فكلّ أعداء الحكومة يُعدّون إرهابيين بالنسبة إلى أهالي هذه المنطقة.
سمّيت القاعدة الجوّية العسكرية التي يستخدمها الروس باسم شقيق بشار الأسد. والدهم الراحل، حافظ، كان قد رشح باسل كخليفةٍ له، لكن ابنه الأكبر مات في حادث سيارة، ما جعل بشار الخليفة التالي. حافظ وباسل مدفونان في ضريحٍ عملاقٍ له أرضيةٌ من المرمر الأسود على بعد بضعة أميالٍ في أعلى التلة. صور حافظ في كلّ مكانٍ في المناطق الساحلية، معقل الولاء للنظام، ومعقل الطائفة العلوية. في هذا المكان، يعدّ الناسُ الروسَ أصدقاء أوفياء ساندوا سلالة الأسد لمدة 45 عاماً، وبعد 4 سنواتٍ من الحرب الأهلية، ها هم يهبّون لنجدة هذه السلالة. يقول منذر عبد الله، وهو موظفٌ حكوميٌّ: "وصلنا إلى نقطةٍ وقف فيها الأميركيون والسعوديون ضدنا، فطلبنا المساعدة لننهي هذه الحرب. جيشنا وقيادتنا متعبون، لذا نحتاج إلى مساعدة الروس لنتخلص من أعدائنا".
لم تصل الحرب إلى اللاذقية وطرطوس بعد، لكن شبان المنطقة ذهبوا إليها. قرية النجيب، التي تقع في محافظة طرطوس، فقدت حتى الآن 147 جندياً، بينما أصيب 52 جندياً منها بجروحٍ خطيرة. في إحدى أمسيات الأسبوع الماضي تجمّعت أسر الشهداء، وهذا ما يعرف به موتى الحرب، لإحياء ذكرى أولئك الذين ضحوا بأرواحهم دفاعاً عن قضايا الأمة وعن القائد. الجميع موالون، لكن بعضهم يشعرون أنه قد طُلب منهم أكثر مما ينبغي. أصرّت زينة طيان (70 عاماً) على زيارة الصحفيين طلباً للمساعدة. قالت إن اثنين من أبنائها قتلا: "بعد أقلّ من 3 شهورٍ أخذوا ولدي الأخير إلى الجندية. أتستطيع إقناعهم بتسريح ولدي؟ نحن جميعاً نقوم على خدمة البلد والرئيس، لكنني أريد عودة ابني". في تموز الماضي اعترف الأسد أن الجيش يعاني "نقصاً في القدرات البشرية". ورفعت القوّات المسلحة الحظر على ضمّ الرجال للجيش من العائلات التي فقدت ابناً. كثيرٌ من الشباب الذين يهربون من سوريا قاصدين أوروبا يفرّون من الخدمة العسكرية التي تُمَدّد بشكلٍ متكرّر. "كنت في نهاية خدمتي لكنهم لم يسرّحوني"، يقول خليل يوسف (25 عاماً) وهو ما يزال في بدلته العسكرية، يعالج ذراعه المضمدة. "أُصبت في وجهي، لكن بعد أن شفيت أعادوا إرسالي إلى وحدتي. بعد ذلك تعرّضت لإصابةٍ في يدي، لذا أرسلوني أخيراً إلى قريتي". بعد أن تمّ تسريحه أصبح يتلقى 45% من مرتبه العسكريّ.
الروس هم أبطال الساعة. الناس يُحَيّون الأجانب القلائل الزائرين بـ"دوبري دِن" روسيةٍ مبتهجة، ويعبّرون عن حماسهم للرئيس بوتين، الذي يعتقدون أنه سيخلّصهم من الإرهابيين. قد تستطيع الحملة الجوّية الروسية طرد المتمرّدين الذين كانوا بدأوا يهدّدون الشريط الساحليّ حول حماة وحمص، لكن المشكلة تكمن في السيطرة على الأراضي. القوّات البرّية الروسية تُعَزَّز بقوّاتٍ من فيلق القدس الإيرانيّ وحزب الله اللبناني، لكن السعودية تعهدت بإرسال مزيدٍ من المعدات إلى خصومهم، مما زاد من فرص حربٍ تتوسع وتصبح أكثر دموية.
في اللاذقية وطرطوس، المحميّتين من نزاعٍ مزّق سوريا، يمتلك الناس فكرةً بسيطةً جداً عن الكراهية للأسد التي يشعر بها أولئك الذين يعيشون تحت البراميل العشوائية التي يلقيها النظام على مناطق دمشق وإدلب وحلب الخاضعة لسيطرة المتمرّدين. إنهم يجرؤون، وهم يمدّون رقابهم ليشاهدوا النفاثات المقاتلة تنطلق مسرعةً فوق رؤوسهم، على أن يأملوا –بخلاف كلّ الدلائل– أن الحملة الجوّية الروسية تؤشر إلى بداية نهاية الحرب.