أطفال من دير الزور | عدسة كرم
الطفولة... الجرح الأكبر في خارطة الخراب السوري
مراكز إيواء النازحين... أساليب بسيطة للتعامل مع خوف الأطفال وذاكرتهم
معاوية طفلٌ في الرابعة. التزم الصمت والحياد في غرفةٍ مليئةٍ بأطفالٍ يلهون بألوانٍ ودفاتر رسم. كان إقناعه بالإمساك بالألوان وملء ما يريد من الصفحات عملاً مضنياً، فالكلمة الوحيدة التي نطقها هي اسمه ولا شي آخر. وعندما أقنعته المتطوعات في مركز الإيواء بالرسم، ملأ بغضبٍ سبع لوحات عن عيد الأم..
قد ينظر أحدهم إلى أوراقه فلا يرى إلا بقعاً لونيّةً زاهية. كلا.. إنها ببساطة حلوى العيد، والكعكة التي صنعتها أمه في عيد ميلاده. هذا ما قاله معاوية عن تلك اللوحات، بشيءٍ من الرضا، عندما شعر بإعجاب المعلمات، الذي كان كافياً لثنيه عن صمته والعودة به إلى المرح مع الأطفال الآخرين.
قدرة الطفل على التأقلم والاندماج تفوق قدرة البالغين.. إلا أن التعويل على هذه القدرة وحدها قد يخلّف خراباً. ويعتقد كثيرون أن الحاجة إلى المأوى والمأكل وغيرها من الأمور المادية تأتي أولاً، إلا أن من يقترب أكثر من واقع الحال يرى بوضوحٍ أن المشكلة أكبر بكثير من لقمة وسرير.. فتلبية الحاجات النفسية والاجتماعية جزءٌ أساسيٌ من العمل الإغاثي، لاسيما عند الأطفال.
وحيث تتقاعس الهيئات والمنظمات، يكافح متطوعون لتأمين ما يمكنهم لمساعدة العائلات التي أجبرت على الخروج من بيوتها.. من الحاجات المادية ووصولاً إلى الأمور النفسية والاجتماعية. في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة النظام، يمنع العمل الإغاثي خارج نطاق تلك الهيئات بموجب قوانين،
الأمر الذي يجعل هؤلاء الشباب عرضةً للملاحقة والاعتقال، كما يزيد من صعوبة مهمتهم في الحصول على التبرّعات، التي يتمّ جمع القسم الأكبر منها من الأهالي. لا يمكن وصف ما يقوم به المتطوعون في المأوى بأنها مشاريع.. إنما هي محاولاتٌ لإخراج الأطفال من قوقعتهم..
جلسات دعم
يكفي أن تتواصل مع النازحين بشكلٍ مباشرٍ لتعرف ما يحتاجون إليه. ليس الأمر بحاجةٍ إلى دراساتٍ مستفيضة. كل ما تقدمه لهم يحتاجون مزيداً منه، ويرحّبون بأي اهتمامٍ، بحماسٍ منقطع النظير.
تقوم إحدى المتطوعات بالإشراف على الأطفال في غرفةٍ صغيرةٍ تم تخصيصها لجلسات الدعم والتفريغ. ويتناوب المتطوعون كلٌ لتقديم ما يتقنه. وتندرج معظم النشاطات في إطار الترفيه وإعادة الأمل ورسم الابتسامة على الوجوه.
في حصة الرسم يُترك الأطفال ليرسموا ما يحلو لهم. يتمتع بعضهم بالموهبة، والبعض الآخر يبدو له الأمر مساحةً للّهو والتواصل مع أقرانه. تتفاوت الأعمار ولا سبيل لفصل الصغار عن الأكبر سناً بسبب ضيق المكان. يتم تأمين المستلزمات عن طريق بعض المتبرعين. ويجد المتطوعون صعوبةً في توفير ما يلزمهم، بسبب شح الموارد والأعداد الكبيرة للنازحين، إضافةً إلى عدم اقتناع البعض بأهمية ما يقومون به، إذ يؤثرون أن تذهب تبرعاتهم إلى توفير الطعام أو الملابس، على الألعاب وأدوات الرسم. أحضرت إحدى المتطوعات بعض المواد البسيطة، وأقنعت الأطفال بتصميم ألعابهم بأنفسهم. انهمك الأطفال بشغفٍ بالغٍ تحت إشرافها. وكانت النتيجة أن عاد الأطفال وكلٌ معه لعبته الخاصة.
يتعذّر على الأطفال في هذه الظروف التواصل مع طفولتهم، فنضج بعضهم على الألم يبدو صادماً. تعتني طفلة في السابعة بأخٍ لها في الرابعة. تبدو كالأم ترعاه وتحيطه بعنايتها. حين حاولت المشرفة إقناعها باللعب آثرت احتضان أخيها، حتى أقبل الأخ على اللعب، فاستسلمت هي لطفولتها وشرعت تمرّغ أصابعها الصغيرة بالطين.
على الرغم من الانتشار الخجول لمشاريع الدعم النفسي في المناطق المحررة، إلا أنه بدأ يأخذ ملامح واضحة في عدد من الأماكن. ولكن واقع الأمر في المناطق التي ما زالت تحت سيطرة النظام يجعل تلك المهمة عسيرة على التحقيق، خصوصاً وأن العمل التطوعي يعتمد على المجتمع الأهلي وتبرعات الأفراد. وما يزيد الأمر صعوبةً هو العدد الكبير للنازحين، مقارنة بالإمكانات المتوفرة، وبعدد المتطوعين.
أراد معاوية أن يضعه في إطار
ذلك الشعور بالأمان
إنها لحظةٌ من حياة طفل
تحوّل بين ليلةٍ وضحاها إلى نازح
وتحوّلت الحلوى، مع ما فيها من حبٍ
إلى أشلاءِ ذاكرةٍ ملونة