- Home
- Articles
- Radar
السوريون و(كمال الأجسام).. لعبة المقتدرين والمتأثرين بالصور النمطية
ارتبطت لعبة كمال الأجسام "الحديد" في مخيلة السوريين بصورة الجسم ذي العضلات الضخمة، وهذا يفسر قلة المواظبين على هذه اللعبة بالرغم من كثرة المتحمسين الذين يستعجلون النتائج، ما يجعلهم زبائن مؤقتين للنوادي المنتشرة بكثافة في عموم سوريا.
عن كثب، تختلف نظرة المنخرطين في اللعبة إليها؛ فهناك من يعتبرها وسيلة للحصول على اللياقة البدنية فقط، بينما يطمح القسم الأكبر إلى الحصول على جسم حديدي صلب وضخم وبارز العروق، في استنساخ لنمط الجسم المصنّع الذي تصدره ماكينات الإعلام الأمريكي خاصة. وفي الحالتين تشكل اللعبة مصدر دخل جيد لملاك النوادي، لكنه يبقى في حده الأدنى مقارنة بما كانت تدره اللعبة قبل الثورة.
فلسفة اللعبة انحازت إلى الضخامة منذ السبعينات مع بطلها الأسطوري الممثل الهوليودي والسياسي آرنولد، لكن الجسم ذا العضلات الضخمة والرقبة المدورة الواقفة والصدر الحجري المستقيم والظهر العريض، ربما لا يشكل كامل الصورة عن حالة السوريين معها، لكنها تعد أبرز أدوات التحفيز لدخولهم نوادي لعب الحديد. ولعل أقوى دليل على تأثر السوريين بهذه الرياضة بنمطها الغربي، كثافة التعليقات الساخرة على السوشيال ميديا التي توجه مراراً إلى المشاركين في العروض المحلية، سواء تلك التي تتم في مناطق سيطرة النظام أو "قوات سوريا الديمقراطية" أو مناطق المعارضة. وأبرز التعليقات تتناول الأجسام الهزيلة للمشاركين كونها لا تشبه الصورة النمطية في مخيلة السوريين عن هذه اللعبة. لكن اللعبة نرجسية على أي حال، فمن الطبيعي ألا تهتز نظرة ممارسيها إلى أنفسهم رغم ذلك.
ولطالما لم تستطع اللعبة تصنيف نفسها بين الفن والرياضة والاستعراض، وظلت في أحسن الأحوال هواية مكلفة، وصدّرت صورة غير حقيقية للجسد، لكنها صارت مشتهاة ومرتبطة بالحياة الحديثة على مستوى العالم. وبينما ينتظر لاعبو كمال الاجسام المحترفون في أمريكا مثلاً، أن يستفيدوا مالياً من خلال البطولات والعروض والمشاركة في الأفلام وغيرها، وتصبح الضخامة هدفاً بحد ذاته لأن "الجمهور يدفع لمشاهدة وحوش"- يسعى اللاعب السوري إلى استنساخ تلك الصورة دون مقابل!. الصورة التي ترتبط بالعمل على تضخيم وشد كل عضلة في الجسم، سواء باستخدام اللعب الطبيعي المركز والذي يمارس وفق برنامج مدروس ومحسوب بدقة متناهية، أو تناول المنشطات التي تساعد على تضخيم العضلة المقصودة مع ما يترتب عن هذه الممارسة من آثار سلبية على الصحة وآلام تنتاب المتعاطي في أثناء عملية التدريب وتناول المنشطات.
أما بالنسبة للفئات العمرية والاقتصادية التي تستقطبها لعبة كمال الأجسام فتشكل الفئة الشبابية العمود الفقري لهذه الرياضة، إضافة إلى كونها رياضة ذكورية بامتياز، تستقطب عادة الشبان الموسرين أو الطلاب. بينما يبتعد الشبان الحرفيون والعاملون في مجالات تستلزم دوام يوم طويل عن دخول النوادي، كون أوقاتهم لا تسمح بممارسة مثل هذه اللعبة الشاقة.
في إدلب يمكن ملاحظة استقطاب اللعبة لفئة النشطاء الصحفيين، الذين يرتدون الملابس الرياضية ذات الماركات العالمية، ويواظبون يومياً على دخول النوادي وممارسة لعب الحديد على شكل مجموعات يغلب عليها طابع الصداقة الناشئة عن زمالة المهنة. ولعل المستوى المعيشي الجيد نسبياً الذي يعيشه معظم النشطاء، لاسيما العاملين مع وكالات الصحافة الأجنبية، يساعد على إقبالهم على هذه اللعبة من منطلق تزجية بعض الوقت وإيجاد نوع من الهوايات الجماعية.
ينصح المدرب أبو أسامة زبونه الجديد وهو شاب مكتنز بالشحوم وبكرش كبيرة، أن يمتنع عن تناول السكر. "من الآن فصاعداً.. كلّ طعام أو شراب يحوي ولو غراماً من السكر ممنوع منعاً باتاً. هذا هو قانون النادي". افتتح أبو أسامة ناديه لكمال الأجسام في مدينة بنش شرقي إدلب منذ سنوات عديدة، مستخدماً أدوات تدريب متواضعة لكنها "تفي حاليا بالغرض" بحسب ما يؤكد لعين المدينة. ومنذ الافتتاح لم يتوقف النادي عن استقبال عشرات المتحمسين للعب الحديد شهرياً، لكن "قلة من هؤلاء الشبان يواظبون على ممارسة هذه اللعبة الشاقة"، والمكلفة نظراً إلى حاجة اللاعب إلى تناول كميات كبيرة من البروتين من مصادر طبيعية أو مصنعة (المكملات).
تضم بنش وهي مدينة صغيرة 3 نوادي للعبة كمال الأجسام، ما يعكس حجم الإقبال من قبل الشبان على هذه اللعبة. وتبلغ كلفة النادي الذي أنشأه أبو أسامة قرابة 5 آلاف دولار إذ اعتمد على شراء أدوات مستعملة، ولم تسمح له ظروفه المالية بشراء بعض الماكينات المرتفعة الثمن مثل جهاز المشي الكهربائي.
وتبلغ قيمة الاشتراك الشهري في نادي أبو أسامة 6 دولار، وهو سعر رخيص مقارنة ببعض النوادي الأخرى التي تضم أجهزة أحدث وغرفة ساونا وصالة أوسع، وتتقاضى شهريا قرابة 20 دولاراً عن كل مشترك.
يوضح أحمد أحد المشتركين في ناد للحديد بمدينة إدلب لعين المدينة، أن كل ناد يفرض اشتراكاً شهرياً بحسب الخدمات التي يقدمها، ف"النادي الواسع والمجهز بتجهيزات حديثة وحمام وساونا، يختلف عن النوادي الأخرى ضعيفة التجهيز. لكن الإقبال على النوادي الأخيرة أكبر بسبب الظروف المادية للمشتركين".
ويشير أبو فراس وهو أحد مدربي كمال الأجسام خلال حديث لعين المدينة، إلى ارتباط التصور عن هذه الرياضة بين الشباب بالمنشطات والمكملات، وهو تصور غير دقيق ويعتمد على النموذج الغربي الذي يصرف عليه أموال كثيرة ليغدو الجسم مفتول العضلات بصورة ضخمة جداً، مع تعاطي منشطات غير صحية.
ويضيف أبو فراس أن تعاطي المنشطات موجود داخل النوادي السورية لكن بشكل محدود، لأن معظم المدربين ينصحون اللاعبين بعدم الإقدام على هذا النوع من تضخيم العضلات، كما أنه يسبب آلاماً كبيرة للمتدرب عقب تعاطيه إياها.
من وجهة نظر استثمارية يؤكد أصحاب النوادي تراجع المردود المالي للعبة كمال الأجسام، ويقارن أبو فراس بين ما كان النادي يدره قبل الثورة ومكاسبه المالية اليوم. يقول "تعادل الأرباح الحالية ربع أرباح النادي قبل الثورة.. كان الربح الشهري لا يقل عن 100 ألف ليرة، أي قرابة ألفي دولار، أما اليوم فلا يزيد الدخل الشهري عن 500 دولار".