- Home
- Articles
- Radar
السحرة في ريف حلب الشمالي يتسللون بين الرقية الشرعية وفك السحر والتدين الصوفي
بين ممارسات تندرج تحت مسمى "فك السحر" والعمل في "الرقية الشرعية" التي أعيد إليها الاعتبار في السنوات الأخيرة، ينشط في ريف حلب الشمالي العديد من ممتهني السحر مستغلين قناعة الكثيرين من سكان المنطقة بتأثير الكلمات على الواقع، إضافة إلى نوع التدين الصوفي الذي ينتعش في المنطقة بسبب انفتاحها على تركيا، وما يحمله التصوف في الدولة المجاورة من تقديس للممارسات الطقوسية المرتبطة بالجانب المعنوي من التدين.
يعتمد العاملون في السحر على قناعات راسخة تنتشر لدى شرائح واسعة من سكان المنطقة، وتتمحور هذه القناعات خاصة حول تأثير السحر على العلاقات الاجتماعية، سواءً بين الزوج والزوجة أو الإخوة أو الأم وابنها، وعادة ما يكون الأهل والأقارب والمحيط الاجتماعي بالعموم عاملاً مهماً في الدفع إلى الركون لأثر القوى السحرية، وبالنتيجة الركون للتعامل مع أعمال السحر والعاملين فيه.
محمد السامر (23 عاماً من أعزاز) أحد الذين لجؤوا إلى أولئك العالمين في السحر بعد أن اقترح عليه ذلك أحد أقاربه لحل أزمته مع الزواج.
يقول محمد أنه كان وزوجته منذ بداية زواجهما يريان بعضهما البعض بشكل مخيف، الأمر الذي أثر عليه بشكل أكبر إذ يدخله في نوبة ضيق تنفس توقعه على الأرض. شارك الأقارب في دفع محمد للجوء إلى أحد السحرة العالمين تحت مسمى "الرقية الشرعية"، وبعد جلسات متفرقة ردد فيها "الشيخ" بعض الآيات القرآنية وأناشيد غير مألوفة، أعلن عن "فك السحر"، لكن الزوجين انتهى بهما الأمر بالطلاق.
في حادثة أخرى يروي جمال قدور (شرطي في صوران) عن أن ابنته (15 عاماً) بات يظهر عليها تصرفات غير معتادة، إضافة إلى شعورها بالخوف الشديد وانخراطها في البكاء عند سماع أي صوت في الخارج، وأنه عرض مشكلتها على بعض الأطباء في البلدة، إلا معظمهم أشاروا إلى أن ابنته "ممسوسة"، ولا يمكن علاج حالتها إلا عند "شيخ يعمل في الرقية الشرعية أو فك السحر". عندها خضع الرجل للأمر وحجز موعداً عند أحد الشيوخ المعروفين محلياً بطرد الجن، وقد أكد له أنه ممسوسة وأنها تحتاج إلى جلسات لمدة أسبوعين، لكنها بقيت على حالها بعد انقضائهما.
الطبيب النفسي أحمد بركات يعمل في منظمة أوسوم (UOSSM)، قال لـ "عين المدينة" أن الاعتقاد السائد بوجود السحر والجن أمر طبيعي وقديم، لكن الخطأ اعتبار كل ما يحصل للإنسان "سواءً نطقه كلمات غريبة غير مألوفة لدى السامعين، أو ارتماؤه مصروعاً متشنجاً على الأرض" سحراً، "لأن الإنسان معرض لصدمات واضطرابات نفسية وعصبية تساهم في ظهور هذه الأعراض". وأضاف بركات أن اعتقاد الأهالي بالسحر ازداد مع كثرة ممتهني السحر والشعوذة وبث الشائعات عن الأعراض التي تظهر على الأشخاص المسحورين أو "المكتوب لهم" في سبيل كسب الرزق. ورأى أن ذلك يدل على جهل المجتمع في هذا الجانب وأخذ الناس بكل ما يُسمع ويُقال.
ما أشار إليه الطبيب النفسي من امتهان الكثيرين للسحر في سبيل التكسب، يعد من العوامل المؤثرة على استفحال الظاهرة مؤخراً خاصة مع انتشار البطالة وقلة فرص العمل، الأمر الذي ساهم في ارتفاع عدد العاملين في السحر، في ظل غياب الرقابة الأمنية ووجود قابلية للتصديق لدى شرائح واسعة في المجتمع.
وفي غياب الرقابة الأمنية تحاول فصائل عسكرية عاملة في ريف حلب الشمالي التدخل للحد من انتشار الظاهرة، بحسب المدون معتز الناصر في مدينة الباب، والذي لفت إلى أن انتشار شيوخ يمارسون طقوساً خاصة تحت دعاوى التصوف أتاح للعديد من السحرة العمل تحت ذات الدعاوى، واعتبر أن "غياب القانون والمحاكم الشرعية التي تعمل على تطبيق الحدود ساهم في انتشار السحرة، لأن القانون الوضعي لا يعمل على معاقبة ممارسي السحر لأن معظمهم يعملون تحت غطاء الدين" على حد تعبيره.
تنتشر في ريف حلب "مراكز رقية شرعية" مجازة من مديريات الأوقاف والشؤون الدينية التابعة للمجالس المحلية وترتبط بالوقف التركي، ويعمل القائمون عليها على التوعية بخطورة السحر. الشيخ علي الخطيب يعمل في مديرية الإفتاء في مارع قال لـ "عين المدينة": "على الرغم من محاربتنا الدائمة للسحرة إلا أنهم باتوا يدخلون في معظم التفاصيل الاجتماعية التي يتعرض لها الناس عبر إقناعهم بأن ما يجري لهم من عثرات وأمراض في حياتهم سببها السحر".
وازداد عدد الأشخاص الذين يعتقدون بكون السحر حلاً لمشاكلهم الاجتماعية، بالتزامن مع ادعاء العديد من السحرة أنهم يقدمون للناس "خدمة إنسانية في سبيل حل الأمور المعقدة بطرق شرعية". أحد هؤلاء عبد السلام من دابق. يتنقل عبد السلام بسيارة حديثة، ويعيش مع أسرته في بيت متوسط الخدمات، ويؤكد أن ما يفعله "يقتصر على فك السحر"، وأن عشرات الأشخاص من مختلف المناطق بالريف الحلبي يتواصلون معه يومياً، ويخضعون لإرشاداته، وأنه يجري "العديد من الجلسات مع الأشخاص المسحورين سواءً من النساء أو الرجال وحتى الأطفال".
القاضي الشرعي في محكمة مارع محمد أديب كرشو أكد لـ "عين المدينة" وجود "دعاوى على أشخاص يستخدمون السحر لغايات مختلفة وغالبتها الإفساد بين أفراد المجتمع، وهو موجود لا يمكن نكرانه". وتصنف أعمال السحر حسب كرشو ضمن الجرائم الجنحوية إن كانت لا تهدف إلى جرائم جنائية، وعقوبتها تكون من شهر إلى سنتين حسب الطريقة التي تمارس بها، وأوضح أن الممارسة إن "كانت تخدش الحياء وتلامس الأماكن الحساسة والعورة تكون عقوبتها أشد"، مشيراً إلى أن "الرقية الشرعية لا حرج فيها إن كانت لوجه الله والفاعل ذو علم ولا يهدف عمله إلى شعوذة، لأن عقوبته ستكون وفقاً للهدف الذي مارس الرقية الشرعية من أجله".