من مقالٍ طويلٍ في دير شبيغل/ 1 تموز
ترجمة مأمون حلبي عن الإنكليزية
مجموعةٌ من مقاتلي المقاومة المصمّمين يخاطرون بأرواحهم ليصوّروا فظاعات تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة. أسوأ أعداء المتمرّدين هنّ العميلات النسوة، لأن كلّ المحجّبات باللباس الأسود الذي يفرضه التنظيم متشابهات.
أوّل فيديو، وقد تمّ تصويره بكاميرا هاتفٍ نقال، يُظهر شاشةً كبيرةً في الرقة. وعلى الشاشة، هناك الطيار الأردنيّ يتلوى ويحترق حتى الموت. ويُظهر الفيديو الملامح العامة لحشدٍ يهلل أمام الشاشة. الفيديو الثاني، ومدته 41 ثانية، يُظهر امرأةً بملابس سوداء وهي راكعةٌ في الشارع عند نقطة تقاطعٍ للطرق، ويداها مربوطتان خلف ظهرها ويحيط بها رجالٌ مسلحون. في خلفية المشهد يقف بضعة مارّة، ومسلحٌ يبدو عليه الضجر يمشي بشكلٍ دائريّ. مباشرةً خلف المرأة يقف رجلان: قاضيها وجلادها. القاضي يحمد الله ويعلن أن موت هذه المرأة، التي خانت زوجها، هو إرادة الله. بعد أن ينهي القاضي كلامه يرفع الجلاد مسدسه ويصرخ "الله أكبر". في الثانية التالية تتلقى المرأة طلقةً في الرأس. ثمة مزيدٌ من الفيديوهات تصوّر إعداماتٍ أخرى كما تصوّر مشاهد عاديةً من شوارع الرقة والبلدات المجاورة لها.
كلّ هذه الأمور ممنوعةٌ وعقابها الموت. تمّ تسجيل هذه الفيديوهات بهواتف نقالةٍ لأنه يمكن إخفاؤها بسهولة في كُمِّ سترة، أو في مكانٍ آخر. أحياناً كان الهاتف الذكيّ يوضع في علبةٍ لها ثقبٌ صغيرٌ، وتبدو العلبة وكأنها قد تُركت في الشارع بلا مبالاة. لا يمكن لهذه الأفلام أن تنافس تلك التي يصدرها التنظيم. فهي أفلامٌ لم ينتجها أناسٌ يعملون بهدوءٍ ومن ثمّ يطبعونها بطريقةٍ احترافية، بل أناسٌ كانوا يجازفون بحياتهم. تنشر الفيديوهات والصور والتقارير على موقعٍ تحت عنوان "الرقة تُذبح بصمت". الموقع موجودٌ على شبكة الإنترنت منذ سنةٍ تقريباً، ويتمّ تشغيله من قبل مجموعة شبانٍ، أغلبهم طلاب. وهم يخاطرون بحياتهم، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن للتنظيم الحقّ الحصريّ بنشر فيديوهات الإعدامات، وأيّ انتهاكٍ لهذا الحقّ عقوبته القتل.
أحد مؤسّسي هذا الموقع، واسمه المستعار أبو محمد، كان في جنوب تركيا في آذار الماضي. كان قد هرب من الرقة لأنه خشي أن يتعرف إليه قراصنة التنظيم. يقول أبو محمد: "لقد أرسلوا لنا إيميلاتٍ بأسماء مزيفةٍ وعرضوا أن يعملوا لصالحنا كمتطوّعين. كانت الإيميلات مصحوبةً بفيروساتٍ مصمّمةٍ لجمع معلوماتٍ عن أماكن وجود الناشطين". يقترب أبو محمد من الثلاثين من العمر، طالبٌ سابقٌ كان لديه طموحٌ أن يصبح مهندساً. هو الآن مقاتلٌ في المنفى، ويقال إنه على قائمة أكثر المطلوبين في الرقة من قبل التنظيم، ويدّعي أن منظمته أدينت رسمياً على أنها "عدوّة الله" في ثلاث خطب جمعةٍ في مساجد الرقة. ولكن واقعة أن التنظيم قد أدانهم علناً وفرت لهم مساعدين جدد، وبإمكانهم الآن الاعتماد على شبكةٍ من المتعاطفين الذين يلتقطون الصور الفوتوغرافية ويسجلون الفيديوهات.
بدأ أبو محمد عمله قبل أكثر من عام. ولأنه عصاميٌ تعليمياً، فقد تعلم الشيء الكثير في الأربعة عشر شهراً الماضية. في البداية كان هو وأصدقاؤه ينشرون فيديوهاتهم وما لديهم من صورٍ على فيس بوك وتويتر بعد حفظها على رقائق ذاكرة هواتفهم النقالة. كان هذا الأمر يوفر الوقت، لكنه يزيد المخاطرة إلى مستوىً كبيرٍ، كما علموا بعد ذلك بوقتٍ قصير. أحد زملائهم، معتز بالله، اعتُقل بعد بدء حملتهم بشهرٍ واحد. أثناء تفتيشٍ عند إحدى الحواجز عُثر على مادة تجريميةٍ على هاتف معتز. بعد الاعتقال بثلاثة أيامٍ ظهرت رسالةٌ على حسابه في فيس بوك تقول إنه قد أُعدم أمام الملأ. في أواخر نيسان أنزلَ قَتَلته الصور على الإنترنت. منذ تلك المأساة أصبح أبو محمد والنشطاء الذين معه أكثر احتراساً، وأصبحت حياتهم أكثر تعقيداً. صاروا يغيّرون مكان إقامتهم كلّ بضعة أيامٍ، كما قاموا بتغيير طريقة عملهم.
في السنة الأخيرة، سمحت لهم هذه الاحتياطات بتفادي قراصنة ومطاردي التنظيم، الذين، بشكلٍ مستمرٍّ، يمشّطون المباني التي يعتقدون أن الناشطين يقيمون فيها. بالرغم من الاستراتيجية الجديدة، فإن خطر أن يُضبط أحدهم أثناء التصوير هو فقط واحدٌ من عددٍ من المخاطر التي تصعب السيطرة عليها. فالملفات تُحَمّل عادةً في مقاهي النت، الواقعة تحت مراقبة التنظيم عبر المخبرين وعبر الكاميرات.
وحسب أبو محمد، فإن إشكاليتهم مع "كتيبة الخنساء" النسائية أكبر. لأن عضواتها يرتدين النقاب، شأن كلّ النساء في مناطق سيطرة التنظيم. ويمكن لإحداهنّ أن تكون واقفةً، دون أن يعرفها أحدٌ، بجوار أحد أصدقاء أبو محمد أثناء قيامه بالتصوير.