فريد حياة/ محرّر صفحة هيئة التحرير في الواشنطن بوست/ 19 نيسان
ترجمة مأمون حلبي
قد تكون إحدى تَرِكات الرئيس أوباما الأكثر إثارةً للدهشة هي خفوت "لن يتكرّر الأمر أبداً" كطموحٍ للسياسة الخارجية الأميركية. لا أعني أن أوباما هو أوّل رئيسٍ يتفرّج ساكناً بينما تتكشف الفظاعات. فكما تفرّج أوباما بسلبيةٍ بينما تتفكك سوريا، مع مئات آلاف القتلى وأكثر من 11 مليون نازح؛ لم يفعل الرئيس كلينتون أيّ شيءٍ ليوقف الإبادة الجماعية في رواندا، وفشل الرئيس بوش الابن في إيقاف التدمير والقتل في إقليم دارفور في السودان. غير أن كلينتون عبَّر عن الندم لتقاعسه بخصوص رواندا. وفي حالة دارفور لم تكن الإرادة السياسية متوافرة، لكن، على الأقلّ، كان يوجد إحساسٌ بعدم الارتياح، بل وحتى الخجل من نأي الولايات المتحدة بالنفس، في الوقت الذي قُتل فيه الكثير من الأبرياء. أما انحدار سوريا على مدار 4 سنواتٍ إلى الجحيم، هذا الانحدار الذي تمّ التنبؤ به بشكلٍ كبيرٍ، والأكثر قابليةً للمنع من بين الكوارث الثلاث، فلم يدفع سوى إلى نزرٍ يسيرٍ من المراجعة. لماذا التغيير؟ صحيحٌ أن عدداً أقلّ من الناس ماتوا في سوريا (220 ألفاً) مما في رواندا (800 ألفٍ)، وخلال وقتٍ أطول، لكنها الكارثة الإنسانية الأكثر فظاعةً خلال العقدين الأخيرين، كما يقول مسؤولو الأمم المتحدة. مؤخراً كتبت فاليري آموس، ممثلة السكرتير العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أن السوريين العاديين "قد أُخرجوا من بيوتهم بفعل القصف المدمّر، وعُذّبوا وانتُهكت حرماتهم ومُنع عنهم الطعام والماء والرعاية الصحية. تمّ تمزيق شمل العائلات، والجماعات تمّ تدميرها... وأثناء كلّ زيارة كنت أُسأل نفس السؤال: لماذا تخلى عنّا العالم؟ لماذا لا أحد يهتمّ بنا؟". جواب واشنطن التقليديّ على هذه الأسئلة اليوم هو أن العالم لا يفعل شيئاً لأن لا شيء يمكن فعله. من طبع المسلمين أن يقتلوا المسلمين، والسنّة أن يكرهوا الشيعة، وعلى العالم المتمدّن أن يراقب بأسفٍ دون أن ينخرط في الأمر، إلى أن يُخمد الإنهاك هذه الحمّى. هذه هي الحجّة الدائمة للتقاعس وعدم الفعل. لقد سمعناها بخصوص رواندا، وبخصوص الصرب والكروات في البلقان. وعلى الدوام كانت هذه الحجّة تدحض نفسها بنفسها. فإن كانت الأمور من نوع أحقادٍ قديمةٍ ثابتةٍ، فلماذا لم يكن الناس يقتتلون قبل بضعة أعوام، ولماذا لم يعد الناس يقتتلون في البلقان في الوقت الحاضر؟ القوى السياسية تطلق العنان للأحقاد والكراهية، وبإمكان هذه القوى -بصعوبةٍ أكبر بكثير، غالباً- أن تكبحها.
كان لدى أوباما العديد من الفرص للتصرّف، والتي كان من المحتمل أن تمنع الجرائم ضد الإنسانية التي تتواصل اليوم. عندما بدأ الديكتاتور الأسد بشنّ حربٍ ضدّ ما بدأ حركةً سلميةً من أجل الديمقراطية، كان بإمكان أوباما أن يوافق على تدريب مقاومةٍ معتدلةٍ متعدّدة الطوائف. وعندما بدأ الأسد بإلقاء البراميل المتفجّرة على المباني السكنية الممتلئة بالأطفال -هذه البراميل بصمة الأسد، مثلما كانت السيوف بصمة الإبادة الجماعية في رواندا- كان بإمكان أوباما تدمير طائرات الأسد، أو إعطاء المقاومة أسلحةً تستطيع إسقاط الطائرات. وكان بإمكانه، بالاشتراك مع حلفاء، أن يقدّم غطاء جوياً لمنطقةٍ آمنةٍ في شمال سوريا، حيث يمكن للناس أن يجدوا ملاذاً على الأقلّ. عند كلّ منعطفٍ كان كثيرٌ من الناس، بمن فيهم مستشاروه، يُحذّرون من أن عدم التصرف سيسمح للمتطرفين بتوسيع نفوذهم. والآن أصبح تحقق هذه التحذيرات -وجود المتطرفين- يقدّم ذريعةً إضافيةً للتقاعس. في غضون ذلك، أكثر من 3 ملايين طفلٍ أُجبروا على ترك بيوتهم. مؤخراً، كتب رئيس الوزراء البريطاني السابق، براون، "بعد سنواتٍ من الآن سينظر العالم إلى الوراء ويسأل لماذا لم يفعل الكثيرون منا سوى القليل؟".
لم يكن أيّ عملٍ متاحٍ مضمون النجاح، وهذا ما يفسّر إحجام كلينتون وبوش. لكن ما يميّز أوباما هو دفاعه الواثق عن التقاعس. في عام 2013 دافع أوباما عن تردّد الولايات المتحدة في سوريا بالتأكيد على أن الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان لم يكن هماً جوهرياً للولايات المتحدة، على خلاف، مثلاً، ضمان "تدفق النفط". قد يرحّب البعض بهذه الواقعية الجافة. فبالرغم من كلّ الاعتبارات، أي نفعٍ قدّمه اعتراف كلينتون بالخطأ للتوتسي في رواند؟ من الأفضل أن لا ينتظر الناس إنقاذاً أميركياً لن يحصل أبداً. مع ذلك، إن لم يَعُد منع الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية مثالاً أميركياً، سنكون بالتأكيد قد تخلينا عن شيءٍ ثمين.