صدر هذا الكتاب عن دار الجابية عام 2008، بعد أن كان أطروحة الدكتوراه التي تقدّم بها مؤلفه، بشير بن محمد سرور زين العابدين.
يرصد الباحث المحاولة المتواضعة الأولى لتأسيس الجيش العربيّ في عهد الملك فيصل، والتي أجهضت على يد القوّات الفرنسية الغازية. ولكنه يركز جهده على تتبع سيرة «القوّات الخاصّة للشرق»، التي أسستها سلطات الاحتلال في 1924، كفرق أمنٍ داخليةٍ مهمتها حفظ النظام وقمع الثورات داخل المدن، وتألفت أساساً من متطوعين من الأقليات الدينية والعرقية، بقيادةٍ فرنسية. وهنا يجب عدم الوقوع في الخلط الشائع بين هذه القوّات، التي صارت نواة الجيشين السوريّ واللبنانيّ، وبين «جيش الشرق» الذي تألف أساساً من عناصر خارجية من مغاربة وأفارقة، واستخدمته فرنسا كقوّةٍ حربيةٍ محضة.
تطوّرت أعداد وتنظيم القوات الخاصة للشرق دون أن تتغير تركيبتها، فقد ظلّت تتكوّن من المسيحيين والعلويين بشكلٍ أساسيّ، ومن نسبٍ أقلّ من الدروز والإسماعيليين والشيعة. وفي رسالةٍ وجهها القنصل البريطانيّ سمارت إلى خارجيته، عام 1926، يقول: «أفيدكم بأن الفرنسيين قد جنّدوا حوالي 200 إسماعيليٍّ من السلمية... إن صاحب العقل الرومانسيّ سيسرّ لاكتشاف ربطٍ تاريخيٍّ بين الفرنجة والحشاشين أيام الحروب الصليبية ضد الإسلام، ولكن المعنيين بالوضع السوريّ اليوم سينظرون إلى هذه المسألة بتخوّف. فقد جرّ الفرنسيون الأرمن واللبنانيين [الموارنة] والشركس والأكراد والإسماعيليين وجميع الأقليات للمواجهة ضد الإسلام العربيّ. ومن المتحقق أن العرب لن ينسوا هذه الحقبة المفجعة».
ومع تأسيس الجيش السوريّ من القوّات الخاصة للشرق، إبان الاستقلال، رفض قسمٌ من هذه القوّات الانضواء تحت الحكم الوطنيّ، وفضّل الرحيل مع القوّات الفرنسية، وسُرّح قسمٌ آخر بسبب عدم الأهلية، وتشكّل الجيش من القسم المتبقيّ، بعددٍ قليلٍ جداً وأوضاعٍ مزرية. وحاول الحكم الوطنيّ الناشئ تنظيم قوّاته المسلحة ودعمها، فأقرّ التجنيد الإجباريّ، وأنشأ الأركان العامة، وأسّس مدارس وكلياتٍ عسكريةٍ للرتباء في مختلف صنوف الأسلحة، فيما تحوّلت الكلية الحربية في حمص إلى كليةٍ وطنيةٍ باشرت بتخريج الضباط منذ عام 1948 بأعدادٍ متزايدة. ولكن تمثيل الأقليات بين الضباط استمرّ في الارتفاع.
ويستعرض المؤلف السيرة المطوّلة للانقلابات الكثيرة المتلاحقة، بالتوازي مع زيادة الإنفاق العسكريّ، وتضخّم دور الضباط، وشيوع الأفكار اليسارية بين قسمٍ كبيرٍ منهم، ودخولهم في صراعاتٍ وكتل وأحزاب، وصولاً إلى انقلاب الثامن من آذار 1963، واستيلاء حزب البعث على السلطة. وقد شهدت مرحلة الستينيات تحولاً في خلفية صراعات الضباط، من الكتل القائمة على أسسٍ آيديولوجية، وإن شابتها الطائفية والمناطقية، إلى تقدّم هذين العنصرين إلى واجهة المشهد، بإقصاء الضبّاط السنّة ثم الدروز، وأخيراً تفرّد حافظ الأسد بالحكم منذ عام 1970، في «تصفياتٍ عشائريةٍ» داخل الطائفة العلوية.
وبحسب الكتاب، اتسم نظام الأسد بتركيز السلطة أساساً بيد عشيرته المتاورة على حساب العشائر العلوية الأخرى، كالكلبية والحدادين والخياطين. كما أشرف شخصياً على تنسيب عددٍ كبيرٍ من المرشديين إلى القوّات المسلحة في السبعينيات، واختارهم لقوات النخبة وقتها، سرايا الدفاع، التي كانت بقيادة شقيقه رفعت. كما اعترف لساجي بن سلمان المرشد بالمكانة الدينية والمرجعية المذهبية بين أتباعه، بينما أصبح الابن الثاني النور من كبار المقاولين، فقد تعهّد مباني معسكرات السرايا في المعضّمية قرب دمشق، وبناء معسكرٍ ضخمٍ لهم قرب قرية شطحة، مركز المرشديين، استوعب لواءً كاملاً من سرايا الدفاع أطلق عليه «اللواء الجبليّ». وقد استفاد حافظ الأسد من كلّ هذه الأعطيات والتسهيلات عند نشوب الصراع بينه وبين شقيقه، فضمن ولاء المرشديين في صفوف السرايا، وأشهرهم وقتها بهجت سليمان.
يورد المؤلف أخيراً قوائم بأسماء كبار الضباط العلويين ومن أقارب الأسد، ممن تولوا قيادة الجيش وفرقه والأجهزة الأمنية. ويستعرض الملابسات التي أحاطت بعملية توريث السلطة لبشار، بين تواطؤ معظم أبناء الحرس القديم ورفض بعضهم، كعلي حيدر قائد الوحدات الخاصّة، الذي أوقف لمدّةٍ قصيرةٍ ثم أحيل إلى التقاعد. وهنا ربما نتذكّر التسجيل الذي سُرّب أثناء الثورة، والذي يتهم فيه حيدر بشار بسوء إدارة البلاد خلال «الأزمة».