منذ بداية الثورة ونشطاءٌ كثر أعلنوا عبر الإنترنت عن عدّة حملاتٍ إنسانيةٍ وسياسيّةٍ وحتى اجتماعيّةٍ، تدعم الثورة عموماً أو تدعم أفراداً لسببٍ ما، كالمصابين وذوي الشهداء... إلخ. لكن كان لخبراء الاختراق والهاكرز الدور الأكبر في حربٍ يصفها البعض بأنّها حربٌ ثانيةٌ موازيةٌ للحرب على الأرض، بسبب المجابهة المباشرة في ميادين صفحات مواقع التواصل الاجتماعيّ.
قصص اختراقات الهاكرز
التجسّس عنوان عملهم الرئيسيّ، كما أخبرنا أحد العاملين في هذا المجال. يحاولون في البداية أن يشعروا الشخص المستهدف بالثقة والأمان عن طريق التحدّث وفقاً لاهتماماته ومواقفه مهما كانت.
العملية ليست سهلة، مثلما قال الشاب "كارسو" لـ"عين المدينة"، فهي تحتاج إلى تخطيطٍ كبيرٍ ووقتٍ طويل. وهناك أناسٌ لا يمكن اختراق حساباتهم الشخصيّة بسهولة. لكن، في كلّ حالٍ، لا يوجد حسابٌ لا يمكن اختراقه، بسبب طرق الاختراق الكثيرة والمعقّدة، التي لا تشعر بها الضحيّة. ويضيف: "أحد الحسابات التي تمّ اختراقها كانت لشابٍّ اسمه نوح حيدر، من الطائفة الشيعيّة. وكان عمله في بلدة نبّل، شمال شرقيّ حلب. وعرفنا أنّه من أصلٍ عراقيٍّ وجاء للقتال في سوريّة. ويتقاضى راتباً شهريّاً قدره 1000 دولار، كما قال لأخته في إحدى الرسائل". ويشير "كارسو": "اخترقنا مئات الحسابات الشخصيّة والمواقع المهمّة؛ من بينها اختراق موقع قناة الدنيا وموقعٍ تابعٍ لجهاز المخابرات العامة، في السنة الماضية".
شهيد الهاكرز
لم يكن أعضاء فريق هاكرز الثورة السوريّة بمنأىً عن الأذيّة التي لحقت بالمواطنين والثوّار، فكان من هذه المجموعة من قضى على أيدي قوّات النظام داخل الفروع الأمنيّة.
"بلاك بريشر"، هكذا كان لقبه على الإنترنت، وهو قائد فريق هكر الثورة السوريّة، اعتقل منذ بضعة أشهرٍ، بعد قيامه هو ورفاقه باختراق العديد من أجهزة الضباط والموالين للنظام وتعطيل حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعيّ.
يقول والد الشاب لـ"عين المدينة": "وصل إلينا خبر استشهاد ابني عن طريق بعض المعارف في سلك الأمن، عندما قالوا لنا إنه مات تحت التعذيب بسبب عدم اعترافه بأسماء باقي الفريق. حتى الجثة لم نستلمها منهم. كانت الحسرة تأكل قلب والدته التي تمنت أن تراه قبل أن يُدفن".
وقامت أكثر من مجموعة هاكرز، منها فريق هاكرز الثورة السوريّة، والثورة السورية الجناح الإلكترونيّ، ومجهولي سوريّا، والشاب سامي سورد؛ بتأسيس صفحةٍ على الفيس بوك أسموها الانتقام لبلاك بريشر،عرضوا فيها عشرات الاختراقات التي نسبوها لصديقهم الشهيد، وفاءً له.
آراءٌ من الشارع
قامت "عين المدينة" بجولةٍ في أحد شوارع ريف حلب، للاطلاع على آراء البعض فيما يتعلّق بماهيّة الآثار الناتجة عن اختراق حسابات عناصر النظام، ومدى إيجابيّة وسلبيّة هذا الفعل.
يقول شعبان الحسن، وهو ناشطٌ إعلاميّ: ليس لهذا النشاط أيّ أثر، لأنّ أعداد الشبيحة كبيرة. وهناك ما يسمّى الجيش السوريّ الإلكترونيّ، الذي يسارع لإنشاء بديلٍ عن كلّ حسابٍ أو صفحةٍ تمّ اختراقها. كما هو حال صفحات المعارضة. هي لعبةٌ ليست لها نهاية". في حين كان للناشط الحقوقيّ محمود العبد الله رأيٌ آخر، إذ يقول لـ"عين المدينة": "بالطبع لها آثارٌ إيجابيّة. هذه العمليّة تصبّ في صالح الثورة، لأنها تعطينا معلوماتٍ ووثائق تخدم ثورتنا إعلاميّاً أو أمنيّاً، ولأنها تضرّ النظام بشكلٍ من الأشكال". أمّا الشاب مأمون المعادي فقد قال لـ"عين المدينة": "باعتقادي أن هناك تأثيراتٌ لهذا العمل، لأنه يسهم في كشف الكثير من المعلومات التي قد تكون سريّةً، ومخطّطاتٍ مهمّةٍ للطرفين العسكريّ أو المدنيّ. ولأعمال الهاكر الدور الكبير في إحباط هذه المهمّات".
تنوّعت الأدوار في الثورة، بعد أربع سنواتٍ من انطلاقها، بين مقاتلٍ في الجيش الحرّ، وناشطٍ إعلاميٍّ ينقل انتهاكات النظام، وناشطٍ حقوقيٍّ يعمل للإفراج عن المعتقلين، ومغنين يناصرون الثورة بألحانهم الوطنيّة، وأخيراً الهاكرز الذين يهاجمون صفحات المحسوبين على النظام ويخترقونها.