سوزي لينفيلد* | عن نيويورك تايمز - ترجمة وإعداد: مأمون الحلبي | خاص عين المدينة
إنّ الصور التي تمّ الكشف عنها، من محفوظاتٍ تبلغ 55000 صورة، والتي تصور جثثاً هزيلةً تمّ خنقها أو ضربها، والتقطت في سجون الرئيس السوريّ بشار الأسد؛ هي صورٌ من الفظاعة لأن يشاهدها المرء، وهي أيضاً صورٌ محيّرة، لأنها لم تلتقط من قبل المعارضة بل بطلبٍ من النظام نفسه... ألا تريد حكومةٌ كهذه أن تخفي جرائمها بدلاً من أن تحفظها؟
من الصور المسرّبة لجرائم النظام الأسدي
ولكن الكشف عن هذه المجموعة القيّمة من الصور لم يكن مقصوداً، لولا أنها هرّبت إلى خارج البلاد من قبل أحد المنشقين. كما أنها ليست أول صور الهمجية الصادرة عن النظام السوري، فقوّات الأسد بثّت الكثير من الصور الأخرى ومن أشرطة الفيديو التي توثق إعداماتٍ وحالات تعذيبٍ قامت بها.
وإذا كانت الحرب الأهلية الإسبانية أول نزاعٍ يتمّ تصويره فوتوغرافياً من قبل روبرت كابا وآخرين، وبطريقةٍ حديثة، أي من مدىً قريب؛ فإن الحرب الأهلية في سوريا قد تكون بالفعل أول نزاعٍ ما بعد حديثٍ عندما يتعلق الأمر بصور هذا النزاع. لكن، من نواحٍ أخرى، تكاد الصور السورية ألاَ تكون فريدةً من نوعها. إنها تتويجٌ لسلسلةٍ طويلةٍ ومخجلةٍ لصورٍ من هذا النوع التقطها الجناة أنفسهم، صورٌ قاسيةٌ التقطها الجلادون للعنف والسادية التي يمارسونها على ضحاياهم الذين لا حول لهم ولا قوة. بعض هذه الصور شديد الوضوح والتفاصيل بطريقة تثير الاشمئزاز، وتكشف عن الأساليب التي يمكن بواسطتها تحطيم جسد الإنسان. صورٌ أخرى هي لوحاتٌ هادئةٌ عن الرعب والعجز في مواجهة الموت.
أكبر مجموعة صورٍ من هذا النوع وأشنعها سمعة، تمّ التقاطها من قبل مصوّرين وجنودٍ ومؤيدين مدنيين للنازية. لاحقاً، وفي وقتٍ ليس بالبعيد، قام أعضاء في الجبهة الثورية المتحدة في سيراليون، وهم المعروفون بارتكابهم للكثير من حالات بتر أعضاء مواطنيهم، بتصوير أنفسهم وهم يرتكبون بعض فظاعاتهم.
وعلى نفس الطريق سار بعض بعثيي صدّام حسين. وكذلك فعلت مجموعة "العقارب"، وهي قوةٌ صربيةٌ شبه نظاميةٍ مرهوبة الجانب.
بعض الصور الأكثر إيلاماً من حقبة ما بعد 11/9/2001 - ومن بينها قطع رأس دانيال بيرل مراسل وول ستريت جورنال، وصور التعذيب في سجن أبو غريب - تحتلّ مكانها بالطبع في هذا النوع من الصور الملتقطة من قبل الجناة أنفسهم. مجموعاتٌ أخرى لصورٍ التقطها الجلادون تظهر ما يمكن أن نسميه التحديق البارد لأنظمةٍ إجراميةٍ وهي مشغولة بعملها. صورٌ من هذا النوع ليست دائماً عنيفة بشكل واضح، مع أنها دائماً قاسية. رجال شرطة ستالين صوّروا سجناء سياسيين مدانين قبل إعدامهم، وجوه السجناء تحدق بنا بحزنٍ وخوفٍ وحيرة.
الصور الخارجة من سجون الأسد السرية، والتي تمّ الكشف عنها مؤخراً، تنتمي إلى نفس النوع مع أنها أكثر وضوحاً وتفصيلاً بكثير. هنا يصبح التصوير الفوتوغرافي مرةً أخرى إكسسواراً سهل الاستعمال في صناعة الموت البيروقراطية.
هناك رعبٌ مزدوج عندما يتفرّج المرء على الصور الملتقطة من قبل الجناة. بدايةً وبوضوحٍ شديد، تظهر هذه الصور أشياء مقيتة، أشياء مخيفة لا تطاق؛ أشياء نريد أن نعتقد أن البشر لا يفعلونها مع بعضهم. إلا أن ما يزيد من شدّة هذا القرف المصحوب بالرعب، هو معرفتنا أن هذه الصور لم تلتقط كاحتجاجٍ ضد الوحشية، وإنما احتفالاً بها، أو على الأقلّ كتوثيقٍ لها.
اعتقد المصورون التوثيقيون في بدايات القرن العشرين أن الكشف عن العنف والاضطهاد سيؤدي إلى عملٍ إنقاذيّ، وبعضهم حلموا بعالمٍ خالٍ من الحروب... لقد أصبح حلمهم كابوسنا. إذ تقدم هذه الصور تحدياً للمفاهيم الحديثة عن العالمية وللاعتقاد المريح بأننا جميعاً متشابهون، وبأن الأسرة الإنسانية يمكن أن تتحد على بعض القيم الأساسية المشتركة. تكشف الصور الملتقطة من قبل الجناة حقيقة أن البشر يمكن أن يكونوا شديدي الاختلاف، وأنه من السهولة بمكانٍ إقصاء الآخرين من صنف البشر!
فعندما سئل أحد أنصار الأسد عن الجثث التي تمّ تعذيبها، ردّ مستفسراً: أهم سجناء أبرياء؟ أم ينتمون للقاعدة؟!
* مديرة برنامج النقد والتعليق على الأخبار الثقافية في جامعة نيويورك، مؤلفة كتاب "النور القاسي: التصوير الفوتوغرافـي والعنف السياسي".