- Home
- Articles
- Radar
التخصصات النادرة في سوريا شبيك لبيك...نهايتك بين يديك
بداية عام 2000، اختصاصات جديدة خطًت بيمينها داخل المفاضلات الجامعية السورية بحذر ملحوظ، علوم تجاوز عمرها آلاف السنين وهي خليط من البرمجة والفيزياء والكيمياء كانت مصدر خوف لتداول الحديث عنها لا دراستها أيام حكم الأسد الأب، ومع وهم الانفتاح أذِنت حكومة الأسد الابن بدراسة مفاتيح أمن الاتصالات في تعليمها الجامعي، ليلتحق بركبها التعليم الخاص في 2004، الذي أبصر النور فجأة وتباعاً آنذاك. وعلى الرغم من ذلك بقيت تلك الاختصاصات ودارسوها طيّ الأدراج، وفي أفضل الأحوال تمّ تعيينهم في أماكن لا تمت لدراستهم بـ صلة، مع عودة الحديث عن حظر العالم لتلك الدراسات واستهداف العلماء.
استشعار عالق...عن قرب
مجد خريج هندسة فضاء من جامعة turk hava kurumu في تركيا، يرى في دراسته أن طالبها سيكون بالضرورة أمام خيارات نوعية؛ كتصنيع صواريخ حربية في شركات كـ aselsan وroketsan، أو خوض التجربة في صناعة مراكب وأقمار صناعية، ليجد طالبها نفسه في حضرة وكالات فضاء كبرى كـ ESA و NASA، أو أن يبقى في صومعة البحث الأكاديمي. مجمل هذه الخيارات تُكسب الدول المعنية بها «مزراب دهب» وثقلاً اقتصادياً وعسكرياً، لكن مجد يرى أن سوريا لازالت بعيدة عن مجرّة التطور، وعليه فإن معظم الدراسين في هذا المجال سيختارون البقاء وعدم العودة، حتى أولئك الذين حصلوا على منح عن طريقها.
موقع الهيئة العامة للاستشعار عن بعد الإلكتروني، كانت في نظر «مجد» تستشعر المشاريع البحثية العالقة في موقعها «عن بعد»...فما من بيئة تقنية تحتضن دراسة من هذا النوع، فضلاً عن غياب أساس علمي واضح، أو هيئة إدارية متمكنة لتخريج كفاءات كفيلة بتطبيق المشاريع.
مطلوب مخبر
في 2008، شاع بين السوريين خبر يحكي قصة أصغر مخترع سوري لقمر صناعي في العالم، بخطى واثقة دخل موسوعة «غينيس»، يتساءل البعض عنه اليوم «وين أراضيه؟» علّه أصبح في عمر الخدمة العسكرية فالتحق مرغماً، أو أحكم بوصلته نحو شواطئ اللجوء، من بلد استنفذ ذخيرته الشابة لحرق البلد مقابل «الأسد». كما فعل «محمد» طالب ماجستير في هندسة الاتصالات مع أقرانه في العمل، حدد وجهة لجوئه، ليخرج من سوريا مبحراً تارة وراجلاً تارة أخرى، لينتهي به مطاف اللجوء في ألمانيا، واحدة من أبرز عشر دول في العالم تملك محطة فضاء «DLR»، يعمل تحت قبتها أكثر من 7400 شخص. فالمقارنة من وجهة نظره «مضحكة»، عندما يستذكر أنه لم يسبق له أن رأى خلال دراسته الجامعية بدمشق راداراً لرصد طائرة عسكرية، «فقط...أبصم تنجح»!
«ثاني باشتان» عملُ المهندس في الاتصالات وعلوم الفضاء «يكافح البطالة المقنّعة»، خاصة في بلد ترزح تحت بطالة تقدر بنسبة (53%)، حسب دراسة أجريت مؤخراً في سوريا نشرتها وكالة «سبوتنيك» الروسية؛ فهي كفيلة بتوفير فرص عمل لعاطلين للالتحاق في سلك التخابر لمن هم على دراية بـ «أمن الوطن واتصالاته..أرضاً وبحراً وجواً».
بتحفظ ملحوظ يروي محمد حادثة حصلت «قبيل الحرب» مع أستاذٍ في جامعة دمشق، سبق له وأن عمل على مشروع frequency scanner كان قيد الإنتاج، وهو جهاز تحديد للسرعات من الممكن تعديله ليحلل الترددات، لكن سرعان ما تم «شلّ» المشروع بطلب من الأجهزة الأمنية، بحجة إمكانية استخدامه للتجسس!
فالتهديد موجود بحرب أو بدونها، لكن الأخيرة كفيلة برفع وتيرة التعرض له، فطبيعة العمل ومدى معرفة البيئة المحيطة بقدرات المهندس يجعله عرضة للتهديد...نحو 30 مهندساً من أقران «محمد» أحكموا قبضتهم ببوصلة الهجرة إلى أوربا ودول الخليج، منهم من استأنف عمله أو علمه، وآخرون آثروا البقاء في سوريا، التحق بعضهم بالجيش الإلكتروني الذي وصفه محمد بـ «القوي ولا يمكن إنكار ذلك»، لكنهم ما كانوا ليصلوا إلى هذه القوة وحدهم بل يوجد خلفهم وسادة دولية من الخبراء يتكئون عليها.
إحدى الوسادات «الأمنية» جاءت في خبر نشر منذ بضعة أيام عن الجراح البريطاني «ديفيد نوت -62 عاماً»، والذي يعرف باسم «جراح إصابات الحرب» لـ 25 سنة، عايَش حروباً كثيرة كان آخرها حربي غزة وسوريا. يحكي عبر الفيديو مخاوفه عن احتمال اختراق حاسوبه من قبل قراصنة روس، لإرشاد طيران بلادهم لقصف مستشفى سري في حلب، كان الطبيب «نوت» آنذاك يشرف عبر تطبيق «سكايب» على عملية لمصابين جراء قصف الطيران على المدينة، ما جعل المستشفى ومرضاها خارج الحياة.
الجراح ديفيد نوت في حلب
لعل قصة رائد الفضاء السوري وتجربته في التحليق بعهد حافظ الأسد أماتت أي أمنية لدى الراغبين للتحليق في ملكوت «الله»، تلك الكلمة التي أغضبت الأسد الأب حسب كلام «الفارس» في إحدى صباحاته الملتفزة، لتنتهي تجربة رائد الفضاء دون زخم إعلامي، ولتُنسى تجربته بعد مضي القليل من الوقت.. تخصص مرموق غير مأمون الجانب، يسحب بساط الحظ من تحت صاحبه، ليصبح فجأة _هو وعائلته_عرضة للتهديد ينتهي بمحاولة للقتل، وحسب تبرير «مجد» فـ «النظام إما خائف من رائده الفضائي أو أنه مجبور!»
دراسة الطوارئ
عام 1987، أخذت الهندسة الطبية حيزاً فريداً في جامعة دمشق حيث فرعها الوحيد آنذاك، سرعان ما طفحت تجارة الأجهزة الطبية كمشروع طبي وتجاري مربح، فتمركزت مكاتبها في المراكز الحيوية من العاصمة...ولا زالت، لكن مع بداية الثورة استحال التخصص إلى ضرورة فرضت الحرب ضريبتها على المدنيين جراء قصف عشوائي (عن طريق خطأ مقصود!)، ففي تقرير سابق للمنظمة الدولية للمعاقين قالت فيه «إن الحرب في سوريا خلفت نحو مليون مصاباً، بينهم الآلاف من هم بحاجة إلى عمليات جراحية وأطراف صناعية وإعادة تأهيل»، لكن تقارير المنظمات الدولية في نظر السوريين «تحكي أرقاماً خجولة»، فأعداد المصابين يفوق المذكور.
ابو صلاح في الغوطة يبدع في صنع “الأطراف الصناعية” من بقايا الخردة
أحد المصابين كان أخ المتطوع (خالد. ه) والذي يشركني في الحديث عن تجربته، يعرض فيلماً عن مظاهرة خرجت في إحدى أحياء حلب حيث كان يقطن، يسقط أحد المتظاهرين جراء إطلاق نار من قوات النظام، ليبادر أخ «خالد بسحبه». لكن طلقة كانت من نصيبه، تتالت الخسائر فكان التالي فقدان الأخ الأصغر لصديقه قدميه بفعل برميل متفجر، ما دفع بـ «خالد» للخوض في العمل كـ فنيّ أطراف اصطناعية دون الخوض في أدبيات دراستها.
منذ منتصف عام 2014 انخرط «خالد» في دراسة الطوارئ، على حد قوله، بغية الالتحاق بعلمٍ يفيد الثورة، أنجز بسرعة دورته الأولى في الأطراف الصناعية بمدينة الريحانية، ليلتحق مباشرة بمعهد ألماني مخصص لطلبة خريجين من معاهد الأطراف الصناعية، لكن الحظ شمل خالد.ه من جملة الدارسين فيه لثلاث سنوات، خاض خلالها تجربة تركيب الأطراف وتصنيعها ومعالجة المرضى نفسياً، انتهت بحصوله على أعلى تحصيل أكاديمي، وشهادة من «الهيئة العالمية للأطراف الصناعية».
بعد الريحانية (في تركيا)... كانت حزانو في (ريف إدلب2015) محطته الثانية، لكن مركز تصنيع الأطراف الصناعية فيها كان دون مستوى الجهوزية، إذ سبق وأن قُصف المستوصف وما حوله مرات عدة خلال عمل خالد به، لاحقاً أنشأ مركزاً في باب الهوى يُعد الأكبر في الشمال السوري، جاء ذلك عقب ترشيحه لتدريب كوادر للعمل في صناعة الأطراف، «في جو يشوبه المفاجأة، دون سابق إنذار يباغتنا القصف، ما عليك سوى إخلاء المكان...أصبحت هدفاً يتكرر قصفه» حسب قوله.
يبدو أن على الراغبين في الالتحاق للدراسة في جامعات النظام التريث في اختيار الإجابة الصحيحة، سيما وأن بعض التخصصات العلمية فيها باتت «شبه محرمة وطنياً»، فالأمر شبيه بقصة مصباح علاء الدين والمارد المتمكن من تلبية المستحيل، فإما أن يستسلم لـ«خيباته العلمية»، ويكتفي بتعليق جدارياته الكرتونية على الحائط، فيعود إلى مربعه العلمي الأول ويقنع براتب 50$ في مدرسة ثانوية، ليكرر على مسامع طلابه نصيحة «من الجلدة للجلدة»، أو يتمرد خارجاً من الفانوس لتكون النهايات السوداء مفتوحة كتهديد يطارده، أو قصف يطال مكان العمل.
دراجة من صاروخ روسي في ريف دمشق