- Home
- Articles
- Radar
الأيتام في إدلب ومصائرهم المتشابهة .. مئتا ألف يتيم بين الفقد وضياع الحماية
لا يبدو الحزن الواضح على وجه الطفلة عُلا حالة مؤقتة، فقد اعتاد الجميع على رؤيتها كئيبة وكثيرة الشرود، رغم الرعاية والحنان التي تحظى بهما من أسرة عمها منذ أن فقدت والدها بغارة حربية، وابتعدت عن والدتها التي تزوجت من رجل آخر تحت ضغوطات الأهل والمجتمع.
عُلا ذات العشر سنوات فقدت السند والأمان، ولا تزال تبحث عن لحظة لقاء ضائعة مع أمها التي انشغلت عنها بزوج وأولاد آخرين، أو لمسة حنان وحب مستحيلة من أب فقد حياته وانتقل بعيداً إلى عالم آخر. ومثل عُلا فقد الكثير من الأطفال في إدلب أحد الأبوين أو كليهما فعاشوا معاناة الفقر واليتم والحرمان، ومنهم من انتقل للعيش في كنف أسر بديلة، ليجد نفسه أمام صعوبة التأقلم مع حياته الجديدة التي فرضت عليه.
عم الطفلة (أبو ابراهيم 35 عاماً) نزح مع أسرته من معرة النعمان إلى مخيم مشهد روحين بريف إدلب الشمالي، يتحدث لـ“عين المدينة“ بالقول: "انضمت ابنة أخي عُلا إلى أسرتنا منذ ثلاث سنوات، ومنذ ذلك الحين أحاول أن أقدم لها الرعاية، وأهتم بها أكثر من اهتمامي بأولادي الثلاثة، باعتبارها حرمت من حنان الأب والأم معاً، ولكنها حزينة دائماً ومنعزلة عن الآخرين“.
إن كانت عُلا قد وجدت حضناً يضمها بعد اليتم، إلا أن إيمان العباس (14 عاماً من جبل الزاوية)، تتعرض مع أختها بعد وفاة والدتهما للضرب والتوبيخ المستمر من قبل زوجة والدهما، كما أجبرت إيمان على ترك المدرسة لمساعدتها في أعمال المنزل وتربية أخوتها الصغار، وعن ذلك تقول إيمان: "أصابت قذيفة هاون منزلنا منذ سنتين، وتسببت بمقتل أمي جراء إصابتها بشظية في رأسها، وأخي الذي لم يتجاوز الثالثة من عمره".
وتضيف إيمان: "عاملتنا زوجة والدي بشكل جيد، ولكن ما لبثت أن تغيرت معاملتها بعد أقل من سنة“. وتبين إيمان أنها كانت متفوقة في دراستها، لكنها أجبرت على ترك المدرسة لتتعلم تدبير شؤون المنزل.
كما أجبر العديد من الأطفال الأيتام على العمل لتأمين متطلبات الحياة، ومساعدة الأسر المستضيفة في الإنفاق.
الطفل أحمد الأصلان (13 عاماً من مدينة سراقب)، يعيش ظروفاً قاسية جعلته يتخلى عن دراسته ويسعى لتحصيل ما يسد الرمق بعد وفاة والديه بغارة حربية على السوق الشعبي، وانتقالهم للعيش مع جدته المسنة في منزل غير مجهز في مدينة إدلب، وعن ذلك يقول: "انتقلت مع أخي وأختي بعد وفاة والداي منذ ثلاث سنوات للعيش مع جدتي، وهي مسنة ووحيدة، لا تجد قوت يومها، مما دفعني لترك دراستي والعمل في جمع المخلفات من القمامة لتحصيل لقمة العيش، إلى جانب حصولنا على سلة غذائية من جمعية خيرية بشكل شهري". ويبين الأصلان أن أخته التي لم تتجاوز الثامنة تحملت مسؤولية كبيرة سبقت عمرها بكثير، وهي تنظيف المنزل وغسيل الملابس، أما أخوه الأصغر أمجد الذي يبلغ من العمر ست سنوات فيرافقه إلى المكبات ويساعده في عمله.
ولا تربط حليمة الجرس (32 عاماً) صلة قرابة بالطفل الذي كفلته وقررت تربيته، فهي لم ترزق بأطفال، لكنها تعتبر الطفل مصطفى مثل ابن لها بعد وفاة والدته، وسفر والده إلى تركيا للعلاج من مرض عضال، وعن ذلك تتحدث لـ“عين المدينة“: "بعد ولادة مصطفى تعرض المستشفى في مدينة معرة النعمان للقصف، الأمر الذي أدى إلى وفاة والدته، فبقي الطفل في رعاية خالة والده المسنة التي تقيم في الخيمة المجاورة لخيمتي، فطلبت منها أن أتكفل بالصغير، وكل يوم يزداد تعلقي به".
أما الأيتام الذين لم يجدوا من يحتضنهم ويرعاهم، فلا يبقى أمامهم سوى اللجوء إلى دور الأيتام التي تؤمن لهم البيئة الحاضنة، وتفتح أبوابها لاستقبالهم وتأمين مستلزماتهم اليومية والحياتية من مأكل وملبس وعناية طبية.
حامد الأحمد مدير ”دار الرحمة“ للأيتام في مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي، يتحدث لـ“عين المدينة“ بقوله: "قامت جمعية أنصار الدولية بتأسيس الدار منذ عام 2016، وهي ذات نظام داخلي، تضم حالياً 185 طفلاً يتيماً و25 امرأة أرملة، وتعمل على تقديم الرعاية الكاملة للأطفال الأيتام من مأوى ومأكل وتعليم ورعاية صحية".
ويشير الأحمد إلى وجود كادر متخصص لتقديم الرعاية والعناية الكاملة للأطفال على مدار اليوم، ويضيف: "تضم الدار عدة أقسام منها الصيدلية والمسجد والمطعم والحديقة، إلى جانب صالة كمبيوتر ومدرسة لتعليم الأطفال من مرحلة رياض الأطفال حتى الصف السادس الأساسي“. ويؤكد الأحمد أن قلة الدعم وصعوبة تأمين الكلفة التشغيلية، من أكثر الصعوبات التي تواجه عملهم، وتحد من قدرتهم على تطوير خدمات الدار وتأمين الوسائل التعليمية والمواد اللوجستية وغيرها، وذلك بسبب "القيود المفروضة" من قبل الحكومة الألمانية على جمعية أنصار الدولية، بحسب تعبيره. ويلمح الأحمد بالقيود المفروضة إلى الحظر الذي صدر مؤخراً من الحكومة الألمانية، بحق "منظمة الأنصار الدولية (تأسست في ألمانيا)، وحظرت الحكومة الألمانية نشاطاتها مؤخراً بتهمة تمويل الإرهاب تحت غطاء العمل الخيري“.
وتكتمل معاناة الطفل اليتيم بوقوعه في براثن الأمراض والضغوطات النفسية، وهذا ما توضحه المختصة بالإرشاد النفسي سلام الحسون (31 عاماً من مدينة إدلب) من خلال حديثها لـ“عين المدينة“، وتقول: "يعتبر اليتم من أقسى جروح الحرب، حيث تتعرض الأسرة للتفكك والضياع بعد فقدان أحد الوالدين أو كليهما، فيضطرب جو الأسرة ويشعر الطفل بالقلق وعدم الاستقرار، كما يفقد الثقة بنفسه وبالمحيطين به ويشعر بالخوف وفقدان الأمان، فيكون عرضة لصعوبات واضطرابات سلوكية ووجدانية في حياته“.
وتؤكد الحسون على ضرورة التنسيق بين جمعيات رعاية الأطفال الأيتام والعمل على زيادة اندماجهم في المجتمع، وتقديم الدعم الكافي لأسرهم غير القادرة على تحمل المسؤولية، والعمل على حمايتهم وتلبية كافة احتياجاتهم وخاصة في مخيمات النزوح، وتوفير موارد ثابتة تضمن لهم الحياة الكريمة في ظل الظروف الصعبة الراهنة.
وبحسب بيان لفريق ”منسقو الاستجابة“ في كانون الأول العام الماضي، فقد بلغ عدد