لــم تكن نجاح، ابنة الثلاثين عاماً، تعاني من أي مشاكل صحية قبل عامين. ولكن الأمر تغيّر بعد أن بدأت تحسّ بآلامٍ حادةٍ في المعدة، أكد لها طبيبها المعالج أنها أعراض قرحة معديّة سببها نفسي، وأن عليها أن تتجنّب أسباب الانزعاج، إضافة لوصفه عدة أدوية يجب أن تواظب عليها. كيف لها تجنّب الانزعاج؟ تساءلت نجاح، فأسرتها دون دخل، تعيش علــــى الســلال الغذائيـــــة التـــي توزّعها الجمعيات الخيرية، إضافة إلى إعاناتٍ ماليةٍ من بعض المحسنين والأقارب.
للنــزوح آثـاره النفسـية على الأسرة بشكلٍ عام، وعلى المرأة بشكــلٍ خـــاص. "عـين المدينـة" التقــــت السيــدة وداد عز الدين في أحد مراكز الإيواء في ريف دير الزور، لتسليط الضوء على هذه الناحية، فقالت: أبرز أشكال هذه المعاناة تبدأ حين تشعر المرأة أن كلمة كيان أسري باتت بلا معنى، وأن طريقة العيش في السكن الجماعي تفتقد إلى أدنى درجات الخصوصية، فوجود حماماتٍ مشتركةٍ عاملٌ يسبّب الكثير من الحرج، وخصوصاً أنها موجودة في ساحات مراكز الإيواء (المدارس). عدا عن ضيق المكان واستخدام البهو من قبل عدّة أسرٍ في عمليات نشر الملابس أو الطبخ وغير ذلك، الأمر الذي يعرّضك للاحتكاك القسري مع العوائل المجاورة، وبالتالي حدوث بعض المشاكل والمماحكات المزعجة. كل ذلك يزيد من معاناة النزوح الذي يقع بالدرجة الأولى على المرأة، فواجباتها بالأساس كثيرة، ليضاف إليها ما ذكرت من عوامل سلبية. لقد لازمني الصداع المزمن منذ عدة أشهر، وشعورٌ بالوهن والإرهاق عند قيامي بأبسط الأعمال. وعند ذهابي لطبيب عصبية مختصّ أكّد لي أن منشأ كل هذه الأعراض نفسي. وبعد أن سألني العديد من الأسئلة أخبرني أنني مصابة باكتئاب، ووصف لي بعض المهدئات والمسكنات، ونصحني بالابتعاد عن مسببات الانفعال، الأمر الذي أزعجني وأضحكني بآنٍ معاً.
ومما يزيد من معاناة النساء أيضاً كون فصل الشتاء على الأبواب، الأمر الذي سيجعل استخدام الحمامات في غاية الصعوبة، وبالأخص بالنسبة للأطفال، بسبب البرد القارس. إضافة إلى ترافق ذلك مع انقطاع التيار الكهربائي، الأمر الذي يضاعف من المعاناة وخصوصاً ليلاً. كما أن عمليات غسيل الملابس والطبخ وغيرها تصبح مزعجة ومتعبة بسبب البرد.
كان ألم بعض النساء من نوعٍ مختلف، وما تعاني منه السيدة فوزية هو خير مثالٍ على ذلك، فهي تشكو من الكوابيس الكثيرة التي تجعلها تفيق مفزوعة من نومها أثناء الليل، وتتبع ذلك نوبات بكاءٍ شديدٍ يصل إلى درجةٍ هستيريةٍ كما يروي أحد أفراد أسرتها. جلّ هذه الكوابيس كان يدور حول أحداث قتلٍ وتنكيلٍ يتعرّض لها أحد أبنائها أو أخوتها. ولعل لفقدها لابنها أحمد في مذبحة الجورة والقصور أكبر الأثر في بقاء هذه الكوابيس ألماً متجدداً يقضّ مضجعها، الأمر الذي جعلها تداوم على قراءة بعض سور القرآن الكريم، كالمعوّذات وغيرها، لتخفيف وطأة هذه الخواطر التي تهيمن عليها.
ولمعرفة المزيد حول الأثر النفسي لظروف النزوح على النساء، التقينا بطبيب الصحة العامة علي القاسم، الذي قال: تعاني المرأة أكثر من غيرها من الآلام النفسية للنزوح والتهجير القســـــري، بحكم عوامـــــــــل عديدة لعل أبرزها العمل المنزلــــــي المستمرّ حتى في الظروف السيئة، إضافة إلى أن حياتها تفتقر إلى التجديد أساساً، بحكــــــم ملازمتها للبيــــــت والأسرة، وغيـــــر ذلك من العوامل.
أمـا عــن اختلاف الأعراض ففسّره القاسم بالقـــول: يعـــود تبايــــن الأعراض بين النساء المريضات إلى التباين في بنيتهن، فتظهر عند واحدةٍ بشكل قرحةٍ معديّةٍ وعند أخرى بالصداع. إضافةً إلى الوضع الصحي المرتبط بالحمل والإنجاب والرضاعة، فبعض أعراض الاكتئاب مثلاً لها علاقةٌ قويةٌ بذلك.
أما النصائح التي يوصي بها د. القاسم لتلافي ما أمكن من آلام فهي: يجب أن تلعب الأسرة دوراً كبيراً في التخفيف عن أفرادها المرضى بشكلٍ عام، وعن الإناث بشكلٍ خاص، من خلال التشجيع والمؤازرة النفسية وتوزيع الجهد. عدا عن أن العامل الديني وممارسة العبادات، قد يكون له عظيم الأثر في تخفيف الأعراض، وهو ما تؤكّده بعض الدراسات النفسية الحديثة. كما أن لمواجهة الفرد لواقعه بشجاعة، إضافة إلى مثابرته على العلاج الذي يصفه الطبيب المختص، عظيم الأثر في التعافي والشفاء.