مازوخية الدواعش وغيرهم
ها هي الطبقة اليوم توشك أن تقع بيد ما يعرف بـ«قوات سوريا الديمقراطية» بعدما انسحبت داعش من معظم أحيائها دون قتال. ينكشف هنا، كما في مرات سابقة، زيف الدعاوى البطولية التي يطلقها الدواعش عن أنفسهم، بمحبتهم للموت أكثر من محبتهم الحياة. فها هم يفرّون، أو أكثرهم، كيفما اتفق عبر القوارب، متجاهلين أمر واليهم بالبقاء ووعيده للهاربين بالعقاب. فيما تصرّ فئة منهم على القتال، متمثلة وعي التنظيم وعقيدته العدمية بتحويل الموت المجاني إلى مثل عليا، مما سيظل يجذب مرضى نفسيين وطلاب ثأر من الحياة. فهل ترفع هزيمة الطبقة الغشاوة عن عيون المضللين في صفوفهم، أم أن لوثة داعش لا شفاء منها مهما أبرزت الوقائع انحراف التنظيم ودحضت أسسه الباطلة؟
لا يعبّر الذين يتحينون فرص النجاة الآن عن كل الدواعش، فإلى جانبهم مؤمنون فعلاً، وبهم ستمضي داعش في رحلتها التالية بعد السقوط، جماعة سرية لا يبالي أفرادها بالعذاب بل يستمرئونه دليلاً، من أدلة أخرى، على الصواب. ويصير الشيء وضده، الحدث وعكسه برهاناً على الحق، ودوماً تقدم نصوص منتقاة ومقطوعة عن سياقها، ما يجعل من الهزيمة درساً صغيراً والانهيار مجرد محنة عابرة ولو امتدت مائة عام.
هل يفنى الحمقى المازوخيين من هذا العالم، وهل هم الدواعش فقط؟ لا بالطبع، فلكل جماعة حمقاها، على اليمين واليسار، في الشرق والغرب، وفي الحاضر والماضي والمستقبل. في جماعات أخرى، مثلاً، لا تكفي كلمات أنطون سعادة ولا قصة إعدامه لإلهام الحمقى المؤمنين من السوريين القوميين بما يكفي ليصيروا خطراً مجنوناً كامل الأوصاف، إذ لا حياة رغيدة في عالم آخر بعد وقفة العز، إنما بذل وتضحية فقط في سبيل خريطة عجيبة تضم، إلى جانب بلاد الشام، قبرص وأجزاء من الخليج وتركيا وإيران.
يكمن الفرق الذي يميز حمقى داعش عن أشقائهم في الجماعات التعصبية الأخرى بغسيل الرأس والقلب والروح، وتعبئة النفس إلى حدود قصوى تقطع مع الأرض والواقع نهائياً، ليكونوا مجرد أجسام مشحونة يسيرها التنظيم حيث يشاء.