- Home
- Articles
- 1
اتفاقات المصالحة في سوريا
ماريكا سوسنوسكي
28 آذار عن موقع The Middle East Eye
ترجمة مأمون حلبي
لقد أصبحت ما تسمى اتفاقات المصالحة أداة تهديدية تستخدمها الحكومة السورية من أجل استرداد المجتمعات التي خرجت عن سيطرتها.
يتضمن تعبير «المصالحة» عادةَ، نوعاً من الاتفاق الودّي بين أعداء سابقين، وهو أيضاً يذكّر بآليات العدالة الانتقالية وفق النمط الذي تم تطبيقه في جنوب أفريقيا. إلا أن اتفاقات المصالحة، في سياق الحرب الأهلية في سوريا، على الأغلب تفرض الذل. فعوضاَ عن تقديم أي شكل من أشكال المصالحة بالمعنى التقليدي، تستخدم الحكومة السورية هذه الاتفاقات كأداة تلوّح باستخدام القوة من أجل إعادة السيطرة على المجتمعات التي خرجت عنها. وفي أغلب الأحيان، تحقق الحكومة هذا الأمر بخلق جو حصاري حول المنطقة المراد استردادها، وبزيادة عجز السكان عن الوصول إلى الأمان والطعام والإمدادات الإنسانية، وذلك عبر عمليات القصف الجوي.
تدفع هذه الظروف البائسة الجماعة التي تعيش داخل المنطقة المحاصرة للضغط الشديد على قياداتها للوصول لنوع من الاتفاق مع الحكومة للتخفيف من معاناتها. هذا الأمر يعني عادة إخلاء عناصر معينة من السكان من المنطقة، وإعادة سيطرة الحكومة السورية على المكان. ووفقاً لفهم معظم الناس الذين يعيشون ضمن مناطق المصالحات، هذا النوع من الاتفاقات يمثل حلاً مفروضاَ أو شروط استسلام أكثر من أن يكون أي شكل للمصالحة.
شراء الوقت
لقد كان إخلاء داريا، الواقعة تحت سيطرة المتمردين، من السكان في آب 2016، نقطة انعطاف في استخدام الحكومة السورية لاتفاقات المصالحة كاستراتيجية تستعيد من خلالها الأراضي الواقعة تحت سيطرة المتمردين. كانت اتفاقيات الهدن المحلية قد استخدمت في عدة مجتمعات في أنحاء شتّى من سوريا إلى أن حصل اتفاق داريا. بدأت الهدن المحلية في برزة، الواقعة شمال دمشق، وبعد ذلك في وقت قصير الهدنة في حمص القديمة في شباط 2014، برعاية الأمم المتحدة. وقد سوَّق لهذه الهُدن ديمستورا، المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، على أمل شراء الوقت كي يصل المتخاصمون إلى نوع من الحل السياسي.
يمكن رسم خط استراتيجي يربط بين الهدن المحلية واتفاقات المصالحة، ويمكن القول إنه في حين لم يكن لدى الحكومة خطة رسمية للمسار الذي اتخذته الهدن المحلية والمصالحات، فإن كلاهما استراتيجية عسكرية تم استخدامها لإرغام مناطق المتمردين على الإذعان، إما بشكل فوري أو في وقت لاحق. كانت النتائج الأولية لكل من الهدن والمصالحات إعادة إلحاق الناس ومناطقهم بالدولة.
يجب ألا تحجب الطبيعة المؤقتة للهدن المحلية أن هذه الهدن ليست سوى عكاكيز يستند عليها النظام إلى أن يصبح في وضع يُمَكنه من استعادة المنطقة. وقد عزز التورط الروسي في الحرب الأهلية ابتداء من أيلول 2015، قدرة النظام على تحويل الهدن المحلية إلى اتفاقات مصالحة.
كسبت الحكومة السورية، بعد تعزيزها بالقدرات البشرية والجوية الروسية، مقدرة أكبر على فرض حالات الحصار، وهذا ما مهّد الأرض للانتشار الحالي للمصالحات بدلاَ من الهدن المحلية. فقد حدثت المصالحات تحت الضغط العسكري في معظم الحالات، لكنها حصلت أيضاً عن طريق الضغط الاجتماعي، كما في سرغايا في الزبداني ومحجة في درعا. في هذه المصالحات التي فرضها الضغط الاجتماعي، قامت الحكومة بإرسال رسائل واتساب إلى السكان تطلب من خلالها الضغط على قادتهم لإبرام مصالحات مقابل إعفاء من الخدمة العسكرية لمدة سنة واحدة.
قبل إبرام المصالحات كان 30% من سكان كل من سرغايا ومحجة ما زالوا يتقاضون رواتبهم من عملهم في القطاع العام، وعرض النظام لاحقاَ أنهم عندما سيؤدون الخدمة العسكرية -في القوات الاحتياطية وليس في القوات العاملة -سيستمرون بتلقي أجورهم من القطاع العام، إلى جانب راتب خدمة العلم. بالإضافة إلى ذلك، ففي حين حصلت بعض حالات الاعتقال، بقي معظم الناس في بيوتهم عوضاً عن أن يتم ترحيلهم.
تشديد ظروف الحصار
من ناحية أخرى، المصالحات المفروضة تحت التهديد العسكري كانت تعني زمناً يتراوح بين أسبوع (في جوبر، على سبيل المثال) و4 شهور (في داريا) من ظروف الحصار الخانق والقصف الجوي المتفاقم بشكل مضطرد. تستمر هذه الظروف إلى أن يتوسل حتى الناس الذين كانوا من قبل معارضين للنظام حتى العظم إبرام اتفاق مصالحة. وتكشف اتفاقات المصالحة المكتوبة عن مظهرٍ تعاقديّ يتمتع بقانونية ظاهرية، وبِروح التسوية التي تكذّب وضعية عجز وخضوع أحد الطرفين الموقعين على الاتفاق. وفي حين حاولت كثير من المجتمعات جهدها لكي تدخل بنوداً تتعلق بإطلاق سراح المعتقلين كجزء من المصالحات، فقد كان لهذه البنود تأثيرٌ لا يُذكر، وبالمحصلة تم إطلاق سراح عدد قليل جداً من المعتقلين، وأحياناً لا أحد.
بعد أيام، أو أسابيع، أو أحيانا أشهر من القصف، تَعرض أيضاً بنود اتفاق المصالحة -لكي تتماشى مع مظاهر الشرعية الدولية المتعلقة بالتهجير القسري -على السكان -نظرياَ- خياراً حول ما إذا كانوا يريدون البقاء أو الرحيل. غير أن كثيراَ من السكان يتم إبلاغهم من قبل الحكومة السورية أن أسمائهم موجودة على قائمة المطلوبين، وهذا يعني أنهم إن بقوا سيكونون معرضين للاعتقال، مع كل ما يترتب على هذا الأمر في سوريا. من الناحية العملية، هذا يعني أن الذين لا يمكن التصالح معهم، كالمقاتلين وعائلاتهم بالإضافة إلى القادة السياسيين كأعضاء المجالس المحلية ومعهم الناشطين، سوف «يختارون» الرحيل، وعادة إلى محافظة إدلب.
في نفس الوقت، على الرجال والنساء والأطفال الذين يبقون أن يقوموا بتسوية وضعهم مع الدولة. هذا الأمر يترتب عليه أن يكونوا مُعرّضين للتحريات الأمنية وللخدمة العسكرية إن كانت تنطبق عليهم، وتوقيع وثيقة يعترفون فيها أنهم كانوا جزءاً من التمرد، ويمكن القول هنا أن هذا الاعتراف يمنح الحكومة سلطة على المرء حتى نهاية عمره. في بعض المناطق التي أبرمت اتفاقات مصالحة، كالقصير، عرضت الحكومة تأجيل السحب للخدمة العسكرية الإلزامية لثمانية أو تسعة شهور، لكنها بدأت عمليات السحب للخدمة في الوقت المحدد لسوق كل فرد. إضافة إلى ذلك، كان على أولئك الذين بقوا في مناطق المصالحات، كالمعضمية والتل والقابون ووادي بردى، المرور بنقاط التفتيش، وهذا ما يجعل من السهل بالنسبة للحكومة أن تحدد أماكن تواجد الناس الذين لم يقوموا بتسوية وضعهم للآن.
ضمان الخضوع
لإضافة الذل إلى الأذى، لم يكن ثمة وجود لأي تحسن ملحوظ في الظروف المعيشية بعد المصالحات. الوصول إلى هذه المناطق بالنسبة للمنظمات الإنسانية والإغاثية يبقى مشكلة كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، تُكيّف الحكومة السورية تقديم الخدمات إلى السكان بطريقة تجعلهم يائسين وتابعين -تابعين بسبب اعتمادهم على دمشق بأن تقدم لهم خدمات معينة، كالعمليات الجراحية، لكن يائسين لأن دمشق لا تساعد على الدوام، كتذكير بخضوعهم لها.
الذين تم ترحيلهم من داريا إلى مخيم للمهجرين تحت سيطرة الحكومة، ويقع في حرجلة جنوبي دمشق، من أجل خلق انطباع أنهم سيكونون قادرين على العودة إلى داريا في وقت ما، هؤلاء السكان انتهى بهم الأمر إلى أن يكون لديهم إمكانية بسيطة للوصول إلى المساعدات الطبية والإنسانية، وأصبحوا غير قادرين على المغادرة لخشيتهم من التحريات الأمنية. وعلى نفس الغرار، السكان الذين غادروا حمص القديمة قبل أربع سنوات من الآن قادرون نظرياً على العودة، لكن عليهم أولاً المرور بعدد كبير من التحريات الأمنية -وهذه عملية لا يتجرأ معظم السكان السابقين أن يواجهها.
على ضوء الطبيعة القسرية لاتفاقات المصالحة، من الضروري أن يتحول انتباه العالم، عاجلاَ وليس آجلاَ، لأكثر من واحد ونصف مليون شخص عالقين في محافظة إدلب، والذين تم ترحيل عشرات الآلاف منهم إلى هناك نتيجة لاتفاقات المصالحة.
في كانون الثاني الماضي استخدمت الحكومة غطاء منطقة خفض التصعيد لتستعيد السيطرة على البنى التحتية لسكة القطار التي تربط دمشق وحلب مع إدلب. بعد إبرام مصالحة حتمية مع الغوطة، فمن المنطقي أن الرئيس الأسد، بتعهده بأن يستعيد السيطرة على كامل البلاد، سيحوّل اهتمامه إلى هذا المعقل الأخير المتبقي للذين لا يمكن التصالح معهم. إن لم يكن هناك وجود لطريق للنجاة، ولا مكان آخر يمكن ترحيلهم إليه، فإن كل أولئك الناس سيتم إلحاقهم أيضاً بالدولة ضد إرادتهم -أو سيواجهون الموت.
كما طرح الأمر مديرٌ من إحدى المنظمات التي تتنقل بين الحدود: «تكون الهجمات دائماً أكثر شدة بعد حالات الهدن. إن كان ثمة هدنة فإن الناس يعرفون أن الشيطان قادم».
AFP