تم تكليف الأردن، من قبل "مجموعة فيينا"، بتحديد قوائم بالمنظمات الإرهابية العاملة على الأراضي السورية، وهو يتعرّض لضغوط مختلف الدول حول مضمونها. وقيل في وقتٍ سابقٍ إنه أدرج 160 فصيلاً من المجموعات المسلحة بوصفها منظماتٍ إرهابية، يقترح قرار مجلس الأمن 2254 عدم شملها بوقف إطلاق النار الذي من المفترض أن يرافق تقدم العملية السياسية. ثم كذَّبَ الأردنيون الخبر قائلين إن العدد المذكور هو جردةٌ بجميع الفصائل التي طالبت مختلف الدول المعنية بإدراجها، على أن يتمّ التوافق على لائحةٍ واحدةٍ يتقاطع عليها جميع أعضاء مجموعة فيينا. من المرجح أن التكذيب الأردنيّ صحيح، وإلا فإن العدد 160 كفيلٌ بإفراغ وقف إطلاق النار المفترض من أيّ معنى.
لكن هذا العدد (160) يعطينا، بالمقابل، فكرةً جيدةً عن مدى الاختلافات بين الأطراف المعنية على تحديد المنظمات الإرهابية، ومن ورائها على تعريف الإرهاب نفسه، أي عن مدى التسييس الذي يقسم الإرهابيين إلى جيدين وسيئين، أو أخيار وأشرار، أو نافعين وضارّين، وفقاً لكلّ طرف.
ويذكّرنا الخلاف الحاليّ بالملعونة روحه حافظ الأسد، "بطل" مجازر حماة وتدمر وجسر الشغور وطرابلس وتل الزعتر، في دعواته المتكررة لـ"المجتمع الدوليّ"، في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته، لـ"عقد مؤتمرٍ دوليٍّ لتعريف الإرهاب"، مقدّماً رأيه في هذا الموضوع في كلّ خطابٍ أو مقابلةٍ صحفيةٍ معه، في ذلك الوقت، بالقول إن "حركات التحرّر الوطنيّ ضد الاحتلال لا يمكن اعتبارها إرهاباً".
على خطا هذا الجزار الملعونة روحه، هدّد وزير الخارجية الإيرانيّ جواد ظريف بالانسحاب من مؤتمر فيينا الثاني، حين اقترحت بعض الدول اسمي حزب الله الإيرانيّ في لبنان وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيرانيّ لإضافتهما على قوائم الإرهاب. ولم يلق الاقتراح التركيّ بإضافة حزب الاتحاد الديموقراطيّ، وقوات حماية الشعب التابعة له، إلى القوائم المذكورة آذاناً صاغية لدى الدول الأخرى.
في الوقت الذي نجد فيه إجماعاً، بين أعضاء مجموعة فيينا على الأقل، على الصفة الإرهابية لكلٍّ من تنظيم الدولة (داعش) وجبهة النصرة (الفرع السوريّ لمنظمة القاعدة)، يدور صراعٌ حادٌّ بين الدول والمحاور الفاعلة في الصراع السوريّ على توصيف ما تبقى من مجموعاتٍ مسلحة، جهاديةً كانت أو غير ذلك. وتبقى قوات النظام الكيماويّ وميليشياته الرديفة (قوّات الدفاع الوطنيّ وكتائب البعث والميليشيات العلوية المسماة بـ"المقاومة السورية" وغيرها) خارج الخلاف، كما لو كانت مجموعة فيينا متفقةٌ بالإجماع على شرعيتها بوصفها هي الدولة. والحال أن الإرهاب الذي مارسه النظام، بمختلف تسميات القوات التابعة له، يفوق كلّ تصورٍ أو خيالٍ مريض، من مجازر موصوفةٍ بحقّ السكان المدنيين إلى إعداماتٍ داخل السجون والمعتقلات إلى ضرب المناطق السكنية بالبراميل البدائية العمياء وصولاً إلى استخدام السلاح الكيماويّ، وتفوَّقَ في وحشيته على إرهاب أيّ مجموعاتٍ مسلحةٍ بما في ذلك داعش المعتبر دولياً "هو الإرهاب".
هل للإرهاب معايير محددة يمكن التوافق عليها بصرف النظر عن سياسات الدول ومصالحها وهواجسها؟ هل هو كلّ عنفٍ منظمٍ يستهدف تحقيق أهدافٍ سياسية؟ أليست الدول قائمةً تعريفاً على احتكار العنف والعنف المنظم؟ متى يعتبر عنفها إرهاب دولة، ومتى يعتبر فرضاً للقانون لمصلحة المجتمع؟ ومتى يحقّ للقوى الاجتماعية أن تمارس العنف لتحقيق مصالحها، في وجه قوى اجتماعيةٍ أخرى أو في وجه الدولة نفسها، ومتى يعتبر هذا المسلك إرهاباً يستوجب مكافحته والقضاء عليه؟
هي أسئلةٌ خلافيةٌ كما نرى. التاريخ مجبولٌ بالعنف إلى حدٍّ مرعب. وإذا كان مفهوم الإرهاب قد ظهر في وقتٍ متأخرٍ محمّلاً بالقيمة السلبية، فلأنه نتاج هيمنةٍ يمارسها الأقوياء على الضعفاء، نتاج صراعٍ على المعنى، الفائز فيه يضمن لنفسه الأفضلية مسبقاً في الصراع الماديّ. كمن يشارك في سباقٍ وهو متقدمٌ، سلفاً، بكيلومتراتٍ عن منافسيه. وهكذا نأتي إلى الصراع في سوريا لنجد أن المطلوب من الأردن أن يحدد المجموعات الإرهابية من بين الفصائل التي تقاتل النظام الكيماوي حصراً، و"في الجيب" سلفاً جبهة النصرة، إذا استثنينا داعش.
وها هو الروسيّ يبدأ "اللعب" باغتيال زهران علوش الذي يتمثل فصيله، جيش الإسلام، في الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، ويطالب بإدراج كلٍّ من جيش الإسلام وأحرار الشام في قائمة المنظمات الإرهابية، ليستبعدهما من العملية السياسية التي كانت أصلاً خطةً روسية.
ولكن ما فائدة أيّ كلامٍ عن التنازع على قوائم المنظمات الإرهابية في الوقت الذي يقصف فيه طيران روسيا –الدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن– مخيماً للاجئين السوريين (مخيم عابدين) في ريف إدلب الجنوبيّ، عن سابق ترصّدٍ (بطائرة استطلاع) وتصميم؟
ويأتي من يلومون معارضين سوريين يظهرون شيئاً من الإيجابية تجاه جبهة النصرة، معتبرين ذلك من أسباب إحجام ما كان يسمّى "أصدقاء الشعب السوري" عن دعمٍ فعالٍ للمعارضة.
داعش هي اليوم المشجب الذي يعلق عليه كل إرهابيو العالم، دولاً أو مجموعات أو أفراداً، قذاراتهم، ويبرّرون به إرهابهم.