أمريكا تجهّز قواعدها وروسيا تدير ظهرها والعالم ينتظر
ضربة أمميّة مزدوجة... تبدأ بتخلي الحليف وتنتهي بقصف مواقع النظام
لم تختلف مقوّمات الحراك السياسي العالمي تجاه القضية السورية من حيث المبدأ، فما شهدته وزارات الخارجية وصالات المؤتمرات الصحفية والبرلمانات الأوروبية والأمريكية خلال الأيام الماضية، هو ردّة فعلٍ على جريمة جديدة للنظام. وكما كان السيناريو في العامين السابقين، يرتبط تطور حضور الملف السوري على مجمل طاولات الدول الكبرى بممارسات النظام السوري الإجرامية، والتي كان أهمها وآخرها الاستخدام الواضح والفاقع للسلاح الكيماوي على الغوطتين الشرقية والغربية، في ظلّ حضور لجنة التحقيق الدوليّة التابعة للأمم المتحدة في دمشق.
وما إن توصلت القيادة الأمريكية إلى وضع مشروع الضربة العسكرية للنظام السوري، بالتوافق مع مجموعة من الدول الأوروبية، التي اختلفت آراء بعضها ما بين التريث والانسحاب والتضامن؛ حتى بدأ الحليف الاستراتيجي للنظام السوري بالتقهقر، على اعتبار أن الجدية الأمريكية في قصف المواقع العسكرية السورية واضحة، هذه الجدية التي عادة ما تجبر الطرف الآخر على الاعتراف والوقوف على الهامش، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأن بلاده لن تتدخل عسكرياً للدفاع عن سورية.
وهو ما تلقته القيادة السورية برضا وقبول اضطراريين بعد أن هللت لحليفها الروسي، والإيراني كذلك، عبر عامين، وسلّمته مقاليد حكم دمشق دون أن يرفّ لها جفن.
أوباما "صاحب القرار"
اختلفت أسلوبية أوباما في إعلان عزمه على توجيه ضربةٍ عسكريةٍ لسورية، فقد تجاوز ما كانت تقع فيه الإدارات الأمريكية السابقة من مطبّات قبل إعلانها أية حرب. فقد ترك اليوم للمؤسسات الإعلامية والمنظمات السياسية الأمريكية حرية تداول الضربة، ووظّف مؤسساتٍ معينة لتسويقها، فأصبح خيار الحرب قضية مطروحة أمام المجتمع الأمريكي ككل. وتنتظر وزارة الدفاع قرار أوباما ببدء الضربة، فيما أجّل قراره أو تحديد الموعد وسواه من التفاصيل إلى أن تصبح ما تسمى "طبول الحرب" رنانة في مختلف الولايات المتحدة، ليهيئ بذلك خلفية واضحة للقرار العسكري وبدء الضربة.
إقبالٌ وإدبارٌ أوروبيّان
كان اختلاف الحماس الأوروبي تجاه الضربة، وإعلان المشاركة أو عدمها، تابعاً بالفعل للبرلمانات الأوروبية من جهة، ولتراخي الأنظمة الأوروبية في القرار من جهةٍ أخرى. ففرنسا كان من المرجح أن تكون في مقدمة الدول المشاركة، إلا أن تصريحات مسؤوليها تتراوح ـ وحتى الآن ـ بين من يؤيد الضربة ومن يقف في وجهها، خاصة في ظل تسويق تفاقم الأزمات الاقتصادية المتلاحقة. أما بريطانيا ـ والتي وقفت في البداية في صف الضربة ـ فقد فشل رئيس وزرائها ديفيد كاميرون في إقناع مجلس العموم بوجهة نظره.
تركيا.. شريكٌ واضحٌ
كان من المتوقع بمكان أن تكون الإدارة التركية في مقدمة المشاركين بأية ضربة عسكرية تستهدف النظام السوري، خاصة في ظل أثر أي عملٍ عسكريٍ على الجار التركي من جهة، ولاحتقان القيادة التركية من النظام السوري الذي يحاول تمرير مجمل أمراضه عبر الحدود إلى تركيا من جهةٍ أخرى، سواء عن طريق تشجيع تنظيماتٍ مسلحة، أو الإسهام في خلق أزمات اقتصادية، أو "بلطجة" مؤيدي النظام السوري داخل الأراضي التركية.
القرار السوري
كان أوضح تصرف والأكثر توقعاً هو ردة فعل النظام السوري، المترواحة ما بين بكائيات مؤيديه وهروبه من الواقع، وسحب قواته من المراكز الكبرى، وتسوّل التأييد الدولي وحلفائه الإقليميين بعد لحظة التخلي العامة. وكما هي طبيعة هذا النظام في دفاعه المستميت عن القصر الجمهوري، أوعز إلى وسائله الإعلامية برفع مستوى التشبيح المختلط بالدموع، وتصوير الضربة على أنها استهدافٌ للمقاومة والصمود الخرافيين، وتدميرٌ للشعب السوري.. الشعب الذي بات يحلم بيومٍ لا يتعرض فيه لقصف من السلاح الوطني، والذي يرتجي أي حلٍ سريعٍ لوقف آلة القتل أولاً،
وتجميد قدرات القطعات العسكرية التي تستهدف مجمل الجغرافيا الوطنية بأكثر الأسلحة عشوائية وتخلفاً، من البراميل إلى قذاف الهاون.