- Home
- Articles
- Radar
«محاكم الشعب» الخاصة بالإدارة الذاتية من الداخل
تنصب الأسماء في بعض الأحيان فخ سوء الفهم، حين يتعمد مطلقوها أن يحصل التباس وخلط ما بين مدلولات الأسماء الأساسية والمسمى الجديد الذي يحملها، بغض النظر عن كون المسمى الجديد لا يمت بأي صلة للمدلول الأساسي، وهو الأمر الحادث في أجسام أنشأتها الإدارة الذاتية وأطلقت عليها أسماء بعيدة كل البعد عن تلك الأجسام بغرض إحداث ذلك الخلط، مثل المحاكم.
أنشئت الإدارة الذاتية منذ بداية تأسيسها عام 2014 محاكم أسمتها "محاكم الشعب" لفض النزاعات والخلافات بين الأهالي. ويتوخى مصطلح "المحاكم" في التسمية التي اتخذتها الإدارة دمج تلك الأجسام المنشأة بالهيئات القضائية المتعارف عليها لدى الجميع، بينما يبتعد مصطلح "الشعب" بتلك الهيئات ويميزها عما هو معروف ومنتشر في المنطقة ولدى أبنائها؛ على إنه، وبعد سنوات من عمل تلك المحاكم، لم تتوضح وتستقر الكثير من الأمور الخاصة بها، مثل دورها واختصاصاتها في ظل وجود محاكم النظام، عدا عن أنها لم تنتظم في آليات عمل وبناء داخلي مقنع.
طبيعة القضايا في محاكم الشعب
يغلب على عمل هذه المحاكم النظر في القضايا الجزائية من مخالفات وجنح وجنايات، أما القضايا المدنية والشرعية فلا تزال بيد محاكم تابعة لحكومة النظام، تعمل حتى الآن في مدن تخضع لسلطة الإدارة الذاتية بشكل كامل مثل رأس العين وتل تمر والدرباسية. وبعيداً عن تدخل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية، الذي ترصده تقارير إخبارية ومناوئون لسلطة الإدارة الذاتية، وإصدار قوانين لا مبرر أصلاً لوجودها، وافتقارها للقضاة ورجال القانون من ذوي الشهادات، كون أغلب قضاتها غير حقوقيين وتنقصهم الخبرة في تكييف الدعوى وتطبيق النصوص القانونية وتفسيرها، بعيداً عن كل ذلك، فإن محاكم الشعب "تعاني من تعقيد غير مبرر في عدد الهيئات القضائية وتسمياتها، والتداخل في الاختصاص فيما بينها، بالإضافة إلى عجزها عن النظر في الكثير من القضايا الهامة التي تمس الحياة اليومية للمواطن، كالبيوع العقارية وبيوع المركبات، وقضايا الزواج والطلاق والنسب" حسب القاضي المنشق عن حكومة النظام رياض علي.
يعتقد القاضي علي، أن هذه المحاكم عبارة عن "لجان صلح" لا ترقى لمستوى المحاكم، لما تحتويه من أمور غير واضحة، ويرى أنه "كان من الأفضل للإدارة الذاتية إحداث مراكز للصلح والتحكيم للنظر في قضايا الناس العاجلة، بدلاً من إنشاء محاكم غير نموذجية". هذا عدا عن أن وجود نظامين قضائيين (محاكم النظام ومحاكم الإدارة) في ذات المنطقة يعمل كل منهما بآلية عمل تختلف عن الأخرى، وانعدام التنسيق بينهما لعدم اعتراف النظام بالهيئات القضائية للإدارة الذاتية، سيخلق بالتأكيد ازدواجيةً وتناقضاً في الأحكام، حسب ما يشرح علي لعين المدينة.
القانون المطبق في المحاكم الكردية
بمقتضى "العقد الاجتماعي" لدى الإدارة الذاتية، فإن سلطاتها تطبق قوانينها الخاصة على الدعاوى التي ترفع إليها، والمعروفة بقانون الإجراءات لنظام العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى العرف وعادات المنطقة. وتوالى منذ سيطرتها على شمال شرقي سوريا صدور قوانين ومراسيم وتعاميم كثيرة من شأنها تنظيم العمل القضائي، منها على سبيل المثال قانون الأحزاب السياسية، قانون المرور، قانون الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، قانون تنظيم التظاهر والتجمعات، قانون أداء واجب الدفاع الذاتي، قانون ترخيص السلاح، قانون الجمارك، قانون مكافحة الارهاب وغيرها.
على أن الحقيقة ليست كذلك، حسب قاض يعمل في هذه المحاكم فضل عدم ذكر اسمه، لأن القانون المطبق هو القانون الوضعي السوري بشقيه الجزائي والمدني "بطريقة القص واللصق مع تخفيف للعقوبات في بعض المواد" كما يعبر معلقاً على ذلك.
محاكم تطلق ولا تزوج
من خلال البحث يظهر أن محاكم الإدارة الذاتية لا تعمل في تثبيت واقعات الزواج أو تسجيل المواليد الجدد، وينحصر عملها في هذا المجال في تثبيت حالات الطلاق، ويعد حتى الطلاق الذي تتولى تثبيته غير مكتمل. ويبرر محدثنا القاضي في مدينة رأس العين، قصور عمل محاكم الشعب بعدم وجود سجلات مدنية بين يديها، ونظراً لاحتكار محاكم النظام لهذه السجلات "فإننا لا نستطيع تثبيت واقعات الزواج أو الأولاد أو عمليات البيع والشراء".
أما بالنسبة إلى قضايا الطلاق فتعمل محاكم الشعب على مجرد التفريق، وتلزم الزوج بالنفقة التي يقدمها إلى المحكمة كل شهر لتسليمها للمطلقة، ولكي تكتمل عملية الطلاق يجب أن تتم مراجعة محاكم النظام لإصدار أوراق نظامية وتسجيله في السجلات المدنية الرسمية.
وأشار القاضي إلى أنه في "حالات الزواج والطلاق والأحوال المدنية لا أحد يلجأ إلى محكمة الشعب، سواء من مؤيدي الإدارة الذاتية أو معارضيها". أما في حالات الزواج المدني الذي أقرته الإدارة الذاتية فتتولى بلديات الشعب التابعة للإدارة عقده، وليس من اختصاص محاكم الشعب، ويستخرج الزوجان من خلاله "دفتر الحياة المشتركة"، ويتطلب لهذا الزواج حضور شاهدين والزوج والزوجة اللذين يتبادلان ألفاظ القبول. ويلجأ الناس إلى هذا الزواج في حالات معينة، مثل سفر الزوجين إلى خارج سوريا من مناطق الإدارة الذاتية، وبالأخص نحو إقليم كردستان العراق، حيث تطالب سلطاته بعقد زواج قبل دخولهما إليه، هذا في حال كانا لا يستطيعان استخراج أوراقاً نظامية من محاكم النظام.
طريقة فض النزاعات
يتوجه أصحاب الشكاوى إلى النيابة العامة التابعة لمحاكم الشعب لرفع الدعاوى، ليبلغ القائمون عليها المشتكى عليه عبر "قوى الأمن الداخلي (الاسايش)"، التي تتولى تنفيذ أحكام القضاة. ولكون النزاعات على الأراضي أحد أهم وأكثر القضايا إلحاحاً في المنطقة، يضرب القاضي في رأس العين مثالاً عليها، يقول "عندما يصدر الحكم يستعيد المشتكي أرضه وترفع يد الطرف الثاني عنها، ويحق للمشتكي عليه الطعن بالحكم، لتنتهي القضية في الحكم النهائي" وفي حال تعنت أحد الطرفين يلجأ القضاة إلى العلاقات الاجتماعية لحل النزاع "اجيبك على المكتب أشربك كاسة شاي كونك صديق أو معرفة، وأطلب منك حل الموضوع بالتراضي وحسب المونة" وفق تعبير القاضي.
أساسيات تشكيل المحاكم والهيكلية
غيرت الإدارة الذاتية اسم "محاكم الشعب" إلى "دواوين العدالة الاجتماعية"، في كل محكمة منها أربع هيئات: هيئة النيابة وهيئة ديوان العدالة درجة أولى وهيئة التنفيذ وهيئة التمييز درجة ثانية. وتعتبر هيئة النيابة المسؤولة عن التحقيق والادعاء، أما ديوان العدالة فيعتبر أعلى سلطة قضائية في القضايا المبرمة، ويحتوي كل ديوان لجان صلح مهمتها النظر في القضايا والبت فيها، ويتبع لديوان العدالة هيئة المحلفين التي تتضمن مهامها النظر في القضايا التي يعتريها الغموض، بينما تعد هيئة التمييز أعلى سلطة قضائية في القضايا القابلة للطعن.
تتخذ المحاكم ثلاث لغات رسمية (الكردية والعربية والسريانية)، وفي حال عدم إتقان اللغات المذكورة يتم الاستعانة بمترجم بعد حلفه اليمين وتتحمل المحكمة دفع أتعابه. أما بالنسبة إلى القضاة فيشترط في من يشغل منصب القاضي ألا يقل عمره عن 22 سنة، ولا يشترط أن يكون المرشح للمنصب حاصلاً على الإجازة في الحقوق أو الدراسات القانونية، بل يكفي أن يجيد القراءة والكتابة، مع شهادة حسن سلوك من الكومين "المختار"، والخضوع للتدريب في أكاديمية "ميزوبوتاميا للعدالة الاجتماعية"، التي لا تنص على مدة محددة لتدريب القضاة، فقد تكون الدورة لمدة شهر أو قد تمتد حتى تصل إلى ثمانية أشهر.
محكمة دار الشعب في عفرين