- Home
- Articles
- Radar
«حراس الدين» في إدلب «دواعش» وقنبلة موقوتة
"إننا لم نجاهد ونحمل السلاح ليزول طاغوت فيحل مكانه طاغوت آخر" بهذه الكلمات افتتح تنظيم "حراس الدين" الإسلامي العامل في ريف إدلب بيانه الذي نشره عبر معرفاته الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي قبل فترة، ليعلن فيه رفضه التام لاتفاقية سوتشي التي أبرمت بين تركيا وروسيا.
وحذّر التنظيم في بيانه مما أطلق عليها "المؤامرة الكبرى" داعياً الفصائل العسكرية العاملة في المنطقة إلى رفض الاتفاق وعدم التفريط بالسلاح والأرض، وإعادة ترتيب ما تبقى من قوة وإمكانيات والبدء بعمليات عسكرية لإفساد هذه المخططات، مضيفاً: "تمر ساحة الجهاد في بلاد الشام هذه الأيام بمرحلة حاسمة وخطيرة اجتمعت فيها قوى الشر والكفر العالمي للقضاء على مشروع الجهاد فيها". ودعا البيان أيضاً أصحاب الأموال في البلاد الإسلامية للبذل "في سبيل الله ودعم الجهاد الشامي"، معتبراً ذلك واجب عليهم لنصرة المستضعفين في الأرض.
في 27 شباط من العام الجاري، أعلن عن تأسيس فصيل "حراس الدين" وتشكل من اندماج فصائل ومجموعات مختلفة، جاء على رأسها "جيش الملاحم وجيش الساحل وجيش البادية وسرية كابل وجند الشرقية"، وغيرها من المجموعات التي كانت تنطوي تحت راية هيئة تحرير الشام "جبهة النصرة" سابقاً. وبحسب ما جاء في بيانه الأول، فإنه "تنظيم إسلامي ولد من رحم الثورة السورية، يهدف إلى نصرة المظلومين وبسط العدل بين المسلمين".
يقول القائد العام ل "ألوية الفرقان" محمد ماجد الخطيب لـعين المدينة: "بدأ التحريض لتشكيل التنظيم من قبل قياديين معروفين بولائهم لقيادة تنظيم القاعدة، الذين عملوا ضمن صفوف هيئة تحرير الشام لعدة سنوات، وانشقوا عنها على قسمين: الأول عندما أعلن "الجولاني" انفصاله عن القاعدة عام 2016 بالتفاهم مع قيادتها، والثاني انشق عقب تسجيل صوتي خرج فيه زعيم تنظيم القاعدة "أيمن الظواهري" في تشرين الثاني 2017، واتهم فيه الجولاني بنكث البيعة، على خلاف ما قاله الأخير آنذاك، ما أدى إلى نفور موالي القاعدة ودفعهم للانشقاق عن النصرة والتطلع إلى تشكيل تنظيم قاعدي جديد يحل مكان النصرة في سوريا".
وبحسب الخطيب، يضم "حراس الدين" بين 2500-3000 مقاتل بأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة مع تسليح جزئي ثقيل، وينتشرون في مساحات ضيقة من ريفي إدلب الشرقي والغربي. ويتزعم الفصيل سمير حجازي الملقب بـ"أبو همام الشامي"؛ فيما يضم مجلس الشورى للتنظيم عدد من الأسماء القاعدية المعروفة من غير السوريين، ومن بينهم إياد الطوباسي الملقب بـ"أبو جليبيب طوباس"، وخالد العارودي الملقب بـ"أبو القسام"، وسامي العريدي وأبو خديجة الأردني وأبو عبد الرحمن المكي.
لم تكن علاقة حجازي والطوباسي والعارودي مع قيادة تنظيم القاعدة وليدة سنوات الثورة السورية، فالطوباسي، فلهما تاريخ حافل مع التنظيم، وكانا مسجونين في إيران إلى جانب قياديين بارزين في القاعدة، منهم محمد صلاح الدين زيدان الملقب بـ"سيف العدل"، والوريث المحتمل للظواهري "حمزة" نجل أسامة بن لادن زعيم التنظيم السابق، أفرج عنهم جميعاً في صفقة تبادل غامضة تمت بين قيادة القاعدة وإيران في وقت غير مؤكد قبل العام 2015.
أما متزعم تنظيم "حراس الدين" فهو نجل "مرشد سمير حجازي" الملقب بـ"عطية الله الليبي"، الذي توفي إثر هجوم بطائرة من دون طيار في باكستان في شهر آب 2011 بعد أن كان مبعوث أسامة بن لادن إلى إيران في مرحلة من المراحل.
وبحسب الخطيب، فإن قيادة التنظيم استغلت الاقتتال الذي دار بين هيئة تحرير الشام وجبهة تحرير سوريا، مطلع العام الجاري، لتعلن عن تشكيل فصيلها، في محاولة منها لجذب مقاتلي الفصيلين إلى صفوفهم، "مدعين أنهم يعملون على فتح عمل عسكري لنصرة درعا والغوطة الشرقية آنذاك، إلا أن رايات تنظيم القاعدة التي ظهرت بيد جماعات جيش البادية وجيش الملاحم أثناء المعارك -التي كانت تدور في ريف حماة الشمالي والشرقي قبل إعلان التشكيل ببضعة أسابيع- تظهر استغلالهم للأحداث الجارية". محملاً الخلايا النائمة التابعة لتنظيم حراس الدين مسؤولية الاغتيالات الغامضة التي استهدفت كوادر ومقاتلين من هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني، وغيرهم من الفصائل والفعاليات المدنية في المنطقة، مبيناً براعتهم في تكتيك حرب العصابات والاغتيالات على الدراجات النارية والتفجيرات التي تتيح للتنظيم تأدية دور مزعزع للاستقرار، الأمر الذي يساهم في تعزيز قوته.
بين الأهالي في مناطق نفوذ "حراس الدين"
لم يستغرق التنظيم وقتاً طويلاً ليصدر قوانينه الخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرته، وسرعان ما بدأ بأعماله التخريبية ليثبت نفسه، وببث الرعب في قلوب الأهالي. وبحسب الناشط الإعلامي عبد الوهاب أحمد، فإنه في الوقت الذي كانت تشتعل فيه جبهات ريف إدلب الشرقي والجنوبي، أرسل التنظيم مجموعة من عناصره إلى مقبرة مدينة سراقب في ريف إدلب، وعملت على تهديم القبور المرتفعة عن الأرض، والشواهد التي من شأنها التعريف باسم المتوفى وتاريخ وفاته، مبررة ذلك بأنها "بدعة" وسبب من أسباب تأخير النصر!.
وتابع عبد الوهاب: "داهم عناصر التنظيم مقر جامعة ايبلا في ريف المحافظة، واعتقل عدداً من العاملين فيها على خلفية حفل التخرج الذي أقامته الجامعة قبل أشهر، وأصدر قوانين في المدارس الابتدائية والثانوية الموجودة في مناطق سيطرته، أجبر فيه الطالبات على لباس شرعي بحسب نظرته، مهدداً بطرد من تمتنع عن الالتزام به"، مضيفاً أنهم منعوا المدنيين من الخروج في مظاهرة بريف جسر الشغور كغيره من أرياف المحافظة في جمعة "الحرية للمعتقلين"، وذلك من خلال نشر عناصره على أبواب المساجد وفي الساحات العامة، مدعياً أن التظاهرات تدعم الاتفاق التركي الروسي.
"ليش بيعرفوا الدين ليحرسوه" هكذا عبر أبو أيمن (46) عاماً عن رأيه ب"حراس الدين" في مناطق نفوذهم بريف ادلب، مبيناً أنهم يعيشون في ظل قوانين متشددة تفرض على الجميع، كإجبار الأهالي على ارتداء ألبسة بمواصفات محددة، ومنع بيع بعض المنتجات كالسجائر وتوابعها. يقول أبو ايمن: "أشو بدهن بنسواننا ليقرروا شو بدنا نلبسهن! أشو ما فينا كرامة لنطالع النسوان بلبس مو كويس! يدشوا هالعباد بحالها وكل مين له نبي بيصلي عليه".
وعن مبررات التنظيم لرفض الاتفاق، يبيِّن أحد عناصره (رفض التعريف عن اسمه) لـعين المدينة، أن أمير جماعتهم أوضح للعناصر أن الفصائل العسكرية الموالية لتركيا، والموافقة على المشاركة بالمؤتمرات الدولية كأستانة وجنيف وسوتشي- تسعى جاهدة لإنهاء "الجهاد في أرض الشام"، ومن ثم ملاحقة "المجاهدين الصادقين" الرافضين لهذه المؤتمرات وتسليمهم للروس والنظام، و"واجب علينا الالتزام بالجهاد ومتابعته حتى النصر أو الشهادة" بحسب ما نقل الشاب.
وفي نفس السياق، يقول مدير المكتب السياسي لـ "لواء المعتصم" العامل في ريف حلب الشمالي، مصطفى سيجري، لعين المدينة: "بصرف النظر عن سبب رفض الاتفاق الذي لا يعلم مبرره إلا قيادة التنظيم، إلا أنه لا يخدم سوى مصالح قوات النظام المتربصة الطامحة في دخول المنطقة والسيطرة عليها". ويرى "سيجري" أن وجود التنظيم وسياسته تبقى مبرراً للنظام وحليفه الروسي، الذي يحاول إقناع العالم أنه يحارب الإرهاب في سوريا، ووجود هكذا تنظيمات "يعتبر العائق الأكبر في وجه العملية السياسية التي من شأنها أن تحقق الأمان لعامة الشعب، وتحقق مطالبه الرئيسية التي خرج من أجلها".