عدسة عبد الله | خاص عين المدينة
قالها ذاك الغريبُ مستفتحاً يسألُ عن حاجةٍ له، وقد اختصر حالَ المدينةِ بها.
مسكنة، مدينةٌ في ريف حلبَ الشرقيّ، حرّرها الجيشُ الحرُّ في الحادي عشرَ من آب السنة الفائتة. وقد تعرّضتِ المدينة آنذاكَ لقصفٍ مُكثفٍ بالطيرانِ الحربي بمعدّل غارتينِ يوميّاً، نظراً لوقوعها على الطريق الرئيسيّ بين حلبَ والرقة، ومجاورتها مطارَ (الجرّاح) العسكريّ.
استمرّ وضعُ المدينةِ مأساويّاً على كافةِ الصُّعدِ إلى أن أمسَكَت حركةُ أحرار الشامِ زمامَ الأمورِ فيها، وتَلا ذلكَ تحريرُ مطارِ (الجرّاح)، تاركاً المجالَ لطورِ الإدارةِ والتنظيم، وفاتحاً البابَ أمامَ كلِّ من امتدّت يدهُ لفعلِ الخير، فكانَ أن تشكّلَ المجلسُ المدني وفق نظامٍ داخليٍّ يفرض تداول رئاسة المجلس كل ثلاثة أشهر:
رئيسُ المجلسِ المدني، أحمد الشحاذة، يحدّثُ "عينَ المدينة" فيقول: لما كان الخبزُ يأتي بعدَ الأمنِ في الأهميّة، ونتيجةَ قِلة مادةِ الطحينِ واستئثارِ النظامِ بالمطاحن آنذاك،
وكادَت أن تُغلقَ المخابزُ في مسكنة؛ عمـــدنا إلى إجراءِ احصاءٍ شَملَ المدينةَ وقُراها، ووزّعنا بطاقاتٍ مخصّصةً لكلِّ عائلةٍ تُحدّدُ الكميةَ المستَحَقّةَ من الخبزِ لها تبعاً لعددِ أفرادها، كما كثّفنا جهودنا للسعي في توفير ِكميةِ الطحينِ المطلوبة. وبعد جهودٍ مضنيةٍ استطعنا أن نكفي المدينةَ شرَّ انقطاعِ الخبزِ وعناءَ وقوفِ الناسِ من الصباحِ إلى المساءِ أمامَ الأفرانِ، إضافةً إلى أننا تجاوَزنا الهدرَ في مادةِ الخبزِ وبَيعَهَا بأسعار تُعجِزُ الغَنيّ والفقيرَ، في مرحلةٍ كانَ النظامُ يصبُّ جامَ غضبهِ على المخابزِ ويمزجُ الخبزَ بالدمِ على أعتابِها.
وعمدَ المجلسُ المحلي إلى متابعةِ حالةِ الكهرباء والماء، فتمّ إصلاحُ منظومةِ الريّ وشبكة الكهرباءِ التي تعدّدت وتنوّعَت أعطالها وإشكالياتها، من قَطعٍ في الأسلاكِ وخطوط التوتّر العالي القادمةِ من سد الفراتِ نتيجة زيادة الطلب للكهرباء، واحتراقِ بعض المحوّلاتِ الكهربائية حولَ السدّ بسبب قصفها من قِبل قوات النظام.
لم يقف نشاطُ المجلسِ المدني في مسكنة عند الضرورات، كالخبز والكهرباء فقط، وإنما تسابقَ أفرادهُ كلٌ في مجالهِ، فقد تم إصلاحُ بعض الطرقاتِ بإمكانياتٍ بسيطة، وتنظيمُ المرورِ وسوقِ الثلاثاءِ الذي يقصدهُ التجارُ والمتبضّعونَ من مختلفِ المدنِ والبلدات المحيطة، كما تم تعبيدُ الكراجِ وإحاطته بإطارٍ زُرعَت فيه أشجارُ الزينة..
إضافةً إلى ذلك تم افتتاحُ عدّةِ مشاريعَ مِنها الصغيرُ والمتوسط، كان منها معملُ الأجبان الذي أُنشئ لتلافي فسادِ الحليبِ البقريّ الذي تنتجهُ مباقرُ مسكنة وتسويقه، إذ يُشرِفُ حوالي العشرينَ عاملاً وطبيباً بيطرياً على حوالي خمسةَ عشر ألف رأسٍ بقري، من توفيرٍ لحاجاتها الأساسية من الأعلاف والطبابةِ وسواها، بعد جُهدٍ مُضنٍ بســـــــــبب قلـــــــةِ المـــــــــــوارد الماليـــــة.
ومنها أيضاً مشروعُ سوقِ الهالِ الجديد المزمَعِ إنشاؤهُ قريباً، والذي بدأ المجلسُ بتنفيذهِ منذ مدّةٍ ليست بالقصيرة، إلا أن قلة الموارد الماليةِ تحُولُ دائماً دونَ الإسراعِ في إنجازِ أي مخطّط. وللمشروع الآنِفِ ذِكْرُهُ أهميةٌ كبيرةٌ، لأنه الأولُ من نوعهِ في المنطقة، ويهدفُ إلى تنظيمِ السوقِ الرئيسي للمدينةِ ونقلِ "البسطاتِ" إلى مكانٍ آخرَ أكثر تنظيماً.
كان ذلكَ كله سبباً رئيسياً في أن تكون مدينة مسكنة عامرةً مأهولةً، ولعلّ النازحينَ إليها من المناطقِ الأُخرى هم أكثرُ من أهلها. ولا عجبَ، فأينما يمّمتَ وجهَكَ فيما يُحيطها لن تجدَ إلا مدنَاً طالتها قذائفُ مدفعيّةِ النظامِ أو طيرانه.
يختمُ رئيس المجلس قائلاً: كحالِ أي مدينةٍ سورية.. تُعاني الكثيرُ مِن العائلاتِ في مسكنة حالةً من الفقرِ وغيابَ أبسطِ أساسياتِ المعيشة، مما دَفَعَنا إلى افتتاحِ جمعيةِ مسكنةَ الخيريةِ التي تُعنى بهذهِ الإشكالية وتحاول إيجادَ حلولٍ عاجلة بتخصيصِ حِصَصٍ غذائية شهريةٍ لكلِّ عائلةٍ فقيرةٍ، تصلُ أحياناً الى الألفِ حصّةٍ غذائية، بالاضافةِ إلى حلولٍ طويلةِ الأمدِ بدفعِ رواتبِ بعضِ الموظفينَ الفقراء العاملينَ لصالحِ الجمعيةِ الخيريةِ أو بافتتاحِ بمشاريعَ صغيرةٍ لهم تكفيهِم السؤال، علما أن ماليّةَ هذه الجمعيةِ في أغلبها من تبرعات المغتربين من أهل المدينة.