من حكايا الثورة في دمشق
تستند هذه الرواية، كما يقول عنوانها الفرعيّ، إلى أحداثٍ حقيقيةٍ عايشها الكاتب، قيس الشامي (اسم مستعار)، في تجارب عددٍ من الفتيات اللاتي شاركن في الثورة السورية. وقد جمع معالم من هذه التجارب في شخصية ياسمين، بطلة هذا الكتاب الذي نشر إلكترونياً، ليلقي الضوء على جانبٍ من مساهمة المرأة في الثورة.
تبدأ الرواية بقيام أولى المظاهرات ضد نظام الأسد في سوق الحميدية بدمشق، في 15 آذار 2011. يشارك أحمد، شقيق ياسمين، في المظاهرة، ويعود إلى المنزل ممزّق الملابس وعلامات العصيّ على جسده الفتيّ، مما يثير قلق الوالدين. يقول أبو أحمد لابنه: «يابي هدول عالم ولاد حرام، وما بينعلق معهم»، فيردّ الابن أن هذا بالضبط هو السبب الرئيسيّ الذي دفعه إلى الخروج ضدّهم. أما ياسمين فكانت تفكر في الوسيلة التي ستقنع بها أخاها لاصطحابها إلى المظاهرة التالية، بعد أن ألهبت مشاهد الربيع العربيّ مشاعرها.
اختلفت الآراء في منزل العائلة المحافظة في منطقة ساروجة الدمشقية، بين الأبوين الذين يحذران التورّط، وبين الولدين، مع انحياز أحمد إلى والديه حين يتعلق الأمر بمشاركة شقيقته في الاحتجاجات. فهي، في نهاية المطاف، فتاة. والأنسب أن تهتمّ لدراستها في كلية العمارة.
ولكن ياسمين تجد طريقها إلى التظاهر بعد أن انتظم عقب صلاة كلّ يوم جمعة. كما تتعرّف إلى المساجد التي يخرج منها المنتفضون في حيّ الميدان، فيصبح طريقها الأسبوعيّ الدائم إليها، قبل أن تعقد صلاتٍ مع بعض الشبان والفتيات هناك وتصبح من الحاضرين الدائمين في المظاهرات الطيّارة شبه اليومية، التي يتفق الناشطون عليها سرّاً. ومن بين معارف ياسمين الجدد شابٌّ اصطحبها، وأخرياتٍ، إلى منزل العائلة في الميدان، ليتخفيّن لساعاتٍ بعد المظاهرة ريثما تغادر قوّات الأمن. تتوثق العلاقة بين ياسمين وبين هذا الشابّ، الذي حمل اسم يزن إثر مقتل شقيقٍ له على يد النظام في الثمانينات، كان يحمل الاسم نفسه. ويتقدّم لخطبتها فتوافق وسط مباركة العائلتين القلقتين، في الوقت نفسه، على الحبيبين اللذين يزدادان فاعليةً.
فإثر تصاعد الاحتجاجات في الغوطة، وارتفاع عدد المصابين برصاصات عناصر الأمن، يشارك يزن في تأمين الاحتياجات الطبية للمشافي الميدانية، بينما تنخرط ياسمين في دوراتٍ للإسعاف تقام سرّاً. أما عندما تحوّل الثوّار في ريف دمشق إلى العمل المسلح، دفاعاً عن أنفسهم ضد الانتهاكات المستمرّة واستباحة مدنهم وقراهم؛ فقد أسهم يزن مع هؤلاء المقاتلين بشكلٍ جزئيٍّ أولاً، متنقلاً بين الغوطة والعاصمة، قبل أن ينضم إليهم نهائياً ويغادر منزله إلى الريف. تزور ياسمين خطيبها مرّاتٍ، وتتعرّف إلى وجهٍ رجوليٍّ جديدٍ له، وإلى وجهٍ جديدٍ لغوطة دمشق، لا يشبه ذلك الذي عرفته سابقاً من أنها مكانٌ للنزهات. فهنا صارت لكلّ بيتٍ حكايةٌ مع الثورة، وفي كلّ زاويةٍ قصّة شهيدٍ أو جريحٍ أو أسير.
ويقرّر الثوّار، بعد أن انتظمت جهودهم في كتائب وألوية، أن يدخلوا دمشق انطلاقاً من حيّ الميدان. وهنا تحصل المعركة الشهيرة التي فاجأت النظام، ولكنها انتهت بانسحابٍ اضطراريٍّ للمهاجمين بعد عدّة أيام، كانت حصيلتها سقوط عددٍ من الشهداء من بينهم يزن، مسبباً فجيعةً كبرى لحبيبته التي كانت تداوي الجرحى.
تقع ياسمين فريسة الحزن لمدّةٍ، قبل أن تتحامل على نفسها وتعاود نشاطها بشكلٍ تدريجيٍّ، محاولةً أن تستمرّ في الطريق الذي جمعها مع يزن، وباحثةً عن اللقاء القريب به. وبالفعل، لا يخيّب أحد ضباط المخابرات الجويّة أمنيتها الأليمة تلك، فيستطيع التعرّف إليها بين العاملين في المشافي الميدانية في تسجيلٍ عثر عليه بحوزة أحد الموقوفين.
يعتقل الضابط ياسمين، التي تتعرّض لأقسى أنواع التعذيب والإذلال وصولاً إلى الاغتصاب. وأخيراً... القتل.
وسوى هذا السياق العامّ تحفل الرواية بالكثير من التفاصيل؛ عن أجواء الثوّار وتطوّرها وتحوّلاتها، وعن تنوّعهم الدينيّ الذي يحضر في شخصية باسل شحادة، الشابّ المسيحيّ الذي ترك كلّ شيءٍ واهباً حياته للثورة، بينما راحت إيمان، المدرّسة القديمة لياسمين في المسجد، تقول إن ما يجري فتنةٌ ومؤامرةٌ تحرّكها أيادٍ خارجية!
أخيراً؛ لا يمكننا النظر إلى هذا الكتاب بوصفه روايةً أو عملاً أدبياً مميّزاً في الحقيقة، بقدر ما هو شهادةٌ شديدة الواقعية، بل الوقائعية التوثيقية، على النضالات الصعبة لشبّانٍ وشاباتٍ أرادوا الحرية.