تقع قلعة سمعان على بعد 30 كم غرب مدينة حلب، بالقرب من ناحية دارة عزّة. وكانت بالأصل كنيسةً بُنيت عام 490م، قبل أن تصبح قلعةً شهدت العديد من الحروب. وعندما وصل الفتح الإسلاميّ إليها كان مصيرها كمصير الكنائس في حلب ودمشق والمنطقة ككلّ، فقد أظهر المسلمون سماحة دينهم وأبقوا عليها كما هي.
سُميت بقلعة سمعان نسبةً إلى سمعان العامودي، الذي ولد عام 389م وأمضى حياته في هذا الجبل يتعبّد على عمودٍ طوله 15 متر (ومن هنا جاءت تسميته) يمضي عليه أياماً طويلة ليلاً ونهاراً وهو صائم، ويُقال إنّه توفي على هذه الهيئة. وتُعدّ القلعة أحد أهم الروائع المعمارية في عهد الإمبراطور زينون، ومن أهم المعالم الأثرية المسيحية وأغناها في سورية. وأبرز من دُفن فيها سمعان العامودي وعمر بن عبد العزيز.
تعمّد النظام السوريّ قصف قلعة سمعان خلال سنوات الثورة. ففي بادئ الأمر تعرّضت للقصف المدفعيّ في شهري أيار وحزيران عام 2012، لتتعرّض للقصف الجويّ بالطيران الحربيّ لمرّاتٍ عديدةٍ تاليةٍ كان آخرها في نيسان الماضي (غارة جوية واحدة). أما في أيار المنصرم فشهدت قصفاً مكثفاً على مدى يومين متواصلين، وفي إحدى الغارات أطلقت طائرةٌ حربيةٌ أربعة صواريخ دفعةً واحدةً باتجاهها، حسب شهودٍ كانوا في المنطقة، ونتج عن ذلك دمارٌ كبيرٌ في أماكن عدّةٍ من القلعة.
التقينا زكريا، وهو طالبٌ جامعيٌّ مقيمٌ في إحدى القرى المجاورة، فحدثنا عن صدمته من صمت المجتمع الدوليّ إزاء قصف القلعة، وقال: «تعوّدنا أن يصمتوا عن الضحايا البشر، فقد أصبحنا مجرّد أرقامٍ تزداد يوماً بعد يوم، ولكن ماذا عن الحجر؟ لقد رأينا كيف احتفل العالم بعد سيطرة النظام على تدمر، إلا أنه لم يقل شيئاً بعد قصفه قلعة سمعان الأثرية، فما هذا التناقض!».
وأنهى زكريا حديثه مستغرباً: «دعونا من السياسة، فهناك حساباتٌ وتوازناتٌ دوليةٌ كثيرة تحكمها. ولكن أين هي الجمعيات الدولية التي تُعنى بالاهتمام بالآثار؟ أي هي اليونيسكو؟!».
وتجدر الإشارة إلى أنه لم يصدر أيّ بيانٍ من أيّ جهةٍ دوليةٍ يدين قصف النظام قلعة سمعان الأثرية، التي أدرجتها المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عام 2011 ضمن قائمة التراث العالميّ.