اعتاد الشابّ الديريّ على نمط حياةٍ معينٍ يتميّز به عن غالب السوريين ربما، بروح الفكاهة العالية والمرح منقطع النظير. ولعل ارتياد المقاهي، ولعب كرة القدم، والسهرات الليلية على ضفاف النهر صيفاً وفي البادية (الجول) شتاءً؛ تعدّ أهم نشاطات الشباب في دير الزور. ولم تستطع رحى الحرب أن تجعل شباب المدينة يتنازلون عن أيٍّ من هذا النشاطات، بل جعلتهم يرون فيها حياةً في زمنٍ يتخطّف فيه الموت مدناً بأكملها.
كرة القدم تحت القصف
وتبقى كرة القدم معشوقة أهل الدير، فقد اعتاد أغلب شباب المدينة أن يمارسها ويتابع بطولاتها ويشجع أحد فريقيّ الفتوّة واليقظة، ولم تخلُ ملاعب دير الزور قبل الثورة من الشباب الذي يعشق هذه الرياضة ويهوى ممارستها.
ورغم الحرب العنيفة التي تجري على أرض المدينة فإنك تجد ملعب نادي اليقظة، والذي سلم قليلاً من آلة الدمار، مفعماً بمبارياتٍ لا تكاد تتوقف، متحديةً الرصاصة والقذيفة. بينما يجثم ملعب نادي الفتوّة في حي الرشدية، مدمراً وبعيداً عن متناول الرياضيين.
في أحد شوارع حيّ العمال أقامت حركة نشطاء ملعباً صغيراً، تحوّل إلى مقصدٍ للكبار وللصغار من كافة أحياء المدينة، منهم من جاء ليلعب ومنهم من جاء ليستمتع بالمشاهدة.
عبد الله، أحد الناشطين الإغاثيين، وجد في هذا الملعب شيئاً أفقدته إيّاه الحرب، فتمكن من اقتطاع بعض الوقت ليمارس هوايته المفضلة. ويحدثنا عبد الله عن الخدمة الكبيرة التي قدمها الملعب له فيقول: "هذا الملعب غيّر لي نمط حياةٍ لا يتوقف فيها الموت، ولا ترى فيها سوى معاناة الناس وهمومهم، فأصبحت اليوم أرى فيه أملاً بأنّ ما ينتظر هذا الشعب الصامد هو الحياة والاستقرار، شاء من شاء وأبى من أبى".
وللنهر حكايته
وحكايةٌ أخرى لضفاف الفرات، فقبل معركة تحرير حيّ الحويقة المستلقي على ضفة النهر، كان كثيرٌ من شباب المدينة يخاطر بحياته بالذهاب إلى أطراف الحيّ، حيث يقلّ تواجد جند الأسد، ليسبح ويخفّف عنه قيظ الصيف الصعب. واليوم، وبعد تحرير هذا الحيّ بالكامل، أصبحت ضفة النهر تعجّ بالشباب، منهم من يتصيّد ومنهم من يسبح ومنهم من يستجمّ. واستراحة النخيل الشهيرة عادت إليها الحياة بضحكات شباب المدينة الصامد، على الرغم من الدمار الكبير الذي حلّ بها.
محمد، أحد مقاتلي الجيش الحرّ، وجدناه يسبح قرب استراحة النخيل، فسألناه عما يشعر بها عندما يأتي للسباحة في هذه الظروف فقال: "كنت آتي إلى هنا سابقاً برفقة صاحبي نقضي وقتنا، ولكنه استشهد في معركة تحرير الحويقة، فوجدت أنه من الوفاء له أن آتي وأستمرّ بما كنا نقوم به سوياً".
ليالي "الجول" المفقودة
وتبقى الحسرة في قلوب بعض شباب دير الزور من أن الحصار الذي يفرضه النظام على المدينة حال دون الوصول إلى باديتها، أو ما يسميه أهل الدير بالجول. فسهرات الشباب هناك شتاءً، وفي بداية الربيع، كانت مشهداً لافتاً. وكانت المدينة في فصل الربيع تكاد تخلو من شبابها يوم الجمعة، الذين يحزمون أغراضهم ووسائل تسليتهم ويذهبون باتجاه الجول.
وما زال هذا النشاط مفتقداً اليوم، بسبب سيطرة النظام على مدخل المدينة الجنوبيّ والمؤدّي إلى بادية الشام. ولا يجد بعض الشباب بديلاً سوى بأن يخرجوا إلى مدينة الميادين حاملين معهم ما كانوا يأخذونه سابقاً ليتوجهوا به إلى بادية الميادين، في محاولةٍ لتحدّي الحرب واستعادة تلك الليالي والأوقات المفقودة.
مدينةٌ مفعمةٌ بالحياة... تنظر في الدمار الذي أصابها فتظنها كئيبة، ولكن سرعان ما يزول هذا الشعور عندما ترى حيوية شبابها وتحديهم للحرب بكل تفاصيلها، وإصرارهم على إزالة نظامٍ مجرمٍ حاول بكل همجيته حرمانهم من حياةٍ عاشوها سابقاً وهم مستعدّون لإعادة بنائها في اللحظة التي يسقط فيها.