Sputnik - Morad Saeed

بعيداً عن اللهجة التفاؤلية لوزير النقل الأسدي علي حمود حول استثمار ميناء طرطوس من قبل روسيا والمشاريع الواعدة الأخرى المرتبطة به، فإن المسألة ليست بهذه الرومانسية الوردية التي تحدث عنها الوزير الحالم لجريدة "الوطن"، لاسيما وأن جميع المسؤولين ووسائل الإعلام في روسيا يذكرون كلمة "استئجار" ((аренда، ولا يذكرون كلمة "استثمار" (инвестиция)، عندما يتعلق الأمر بهذا الميناء.

صرح نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف بعد اجتماعه مع الأسد (20 نيسان 2019): "لقد أحرزنا تقدماً ملحوظاً في هذا الصدد، ونأمل أن يتم توقيع الاتفاقية في غضون أسبوع، وبعد ذلك سيتم استخدام ميناء طرطوس من قبل الشركات الروسية لمدة 49 عاماً". لم يوضح بوريسوف كيف سيبدو هذا الأمر ملموساً ومن سيوقع الاتفاقية، لكنه أشار إلى أن استخدام ميناء طرطوس هو "قضية أساسية يجب أن تعطي ديناميكية إيجابية".

في الواقع العملي لم يتم تأمين هذه الاتفاقية على مستوى رسمي موثوق بعد، والإعلان عن مثل هذا الحدث المهم من جانبه، ليس سوى ثرثرة دبلوماسية هدفها تعزيز مواقف دولته التي تحققت بعد تدخلها العسكري لصالح الأسد، إضافة إلى أن هذه الخطوة قد جاءت متأخرة نوعاً ما، ورداً على الاتفاقية التي وقعها الأسد في شباط 2019، وتنازل بموجبها عن ميناء اللاذقية لصالح إيران.

وعلى الرغم من أن روسيا احتفظت منذ الحقبة السوفييتية، بمركز دعم لوجستي تابع لأسطولها البحري في طرطوس، يطلق عليه "النقطة اللوجستية رقم 720 للبحرية الروسية"، لكن المركز ليس قاعدة عسكرية مستقلة ذات وضع قانوني، وذات هياكل دفاعية وإدارة عسكرية مستقلة، كما قد يُتصور.

في أوائل عام 2017 تم إجراء خطوة نحو تطوير المركز وجعله قاعدة بحرية، عندما تم توقيع اتفاق على توسيعه وتحديثه. بعد ذلك وافقت دمشق على إعطاء كامل ميناء طرطوس إلى روسيا من أجل الاستخدام الاقتصادي، هذا يعني أنه ستتم صيانة النقطة اللوجستية، وكذلك تطوير البنية التحتية لميناء طرطوس المدني.

ومن وجهة نظر التشريعات الدولية، تنقسم جميع المناطق الصالحة للحياة في كوكبنا إلى ثلاثة أنواع: أراضٍ حكومية، أراضٍ ذات نظام دولي، وأراضٍ ذات نظام مختلط. ثم إن استئجار أرض هو "حكم مؤقت من قبل دولة إلى دولة أخرى يمكنها من استخدام جزء من أراضيها على أساس تعاقدي". في هذه الظروف، تبقى المنطقة المؤجرة هي أراضي دولة المؤجر، لكن يجوز للدولة المستأجرة ممارسة ولايتها القضائية على هذه الأرض وفقاً لاتفاقية التأجير.

يعني هذا -في ما يعنيه- أن ميناء طرطوس سيصبح أرضاً ذات نظام مختلط، أي في الواقع ستطبق فيها القوانين الروسية، وسيكون هناك حصانة كاملة للعاملين فيها من الولاية القضائية المدنية والإدارية السورية، وستتمتع ممتلكاتها المنقولة وغير المنقولة بالحماية من إجراءات البحث والاستيلاء والمصادرة. وبذلك ستستحوذ روسيا على ميناء طرطوس مجاناً، كما استحوذت على مطار حميميم قبله، وستحصل على حق فرض الرسوم على السفن التي سترتاد هذا الميناء، وستسجل نقطة لصالحها الاحتلالي في صراعها الشرس مع إيران حول تقاسم الكعكة السورية؛ حيث يسرع كل طرف بالحصول على الامتيازات وأكبر قدر ممكن من العقود والاتفاقيات مع مؤسسات نظام الأسد المتهاوية.

ومن وجهة النظر الجيوسياسية، أصبح ميناء طرطوس ـالعسكري والمدني- مفهوماً تقنياً بحتاً، حيث يمكن للأسطول الروسي نشر قاعدة بحرية كاملة، هذا بدوره يعني فرصاً أكبر لزيادة مجموعة الغواصات، واحتمال وجود دائم للسفن في المستقبل، باعتبارها جوهر أسطول البحر الأبيض المتوسط الروسي، وبالتالي سيصبح شرق هذا البحر كله تقريباً تحت سيطرة روسيا، ولن تعود بحاجة إلى السواحل التركية أو اليونانية. في هذا الصدد قال وزير الدفاع شويغو إن "البحر المتوسط سيكون ساحة دائمة للتدريبات العسكرية الروسية".

بالنسبة لسوريا، كانت طرطوس، قبل عام 2011، الميناء الرئيسي الذي يتم من خلاله تصدير النفط والمواد الهيدروكربونية الأخرى إلى الأسواق الخارجية، بعد ذلك أخذ الميناء يعمل على تأمين الواردات التي يحتاجها نظام الأسد من الخارج. وتشير نتائج الزيارة التي قام بها يوري بوريسوف إلى دمشق إلى أن روسيا ستصبح قريباً المورد الرئيسي للنفط والمنتجات النفطية إلى سوريا، بدلاً من النفط الخام الإيراني.

من الواضح أن ميناء طرطوس المستأجر من روسيا سيصبح ضمانة أمنية إضافية، ولكن الأقل وضوحاً هو المكان المناسب "للبزنس"، والذي لم يرغب يوري بوريسوف ذكره على وجه التحديد.

هناك عواقب واضحة تماماً للقرار المتخذ، على الرغم من أنه يمكن إعلان المدينة بأكملها خلف الميناء منطقة تجارة حرة، أو احتمال جعلها محطة كبيرة للنفط والغاز، أو بوابة لشحن الحبوب والسيارات والأسلحة، أو مركزاً سياحياً مع فنادق ومنتجعات رخيصة، أو أحد النقاط المهمة لمشروع النقل الصيني المستقبلي "حزام واحد - اتجاه واحد".

تفاصيل الاتفاقية غير معروفة بشكل كامل، ولكن الظاهر حتى الآن هو أن روسيا ستحصل ليس على ميناء في البحر المتوسط فحسب، بل على مدينة كاملة، ستكون بمثابة هونغ كونغ جديدة بالنسبة لروسيا