تشيـــر تصريــــحات المســؤولين الأمريكيين الآن إلى اقتراب موعد البدء بتطبيق برنامج اختيار وتدريب قوّات "المعارضة السورية المعتدلة"؛ فقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن نشر 400 مدرِّب عسكريٍّ وعشرات الطواقم سواهم لتأمين وتجهيز معسكرات التدريب في كلٍّ من السعودية وتركيا، بعد أن خصّص الكونجرس مبلغ 500 مليون دولارٍ لدعم هذا البرنامج في أيلول الماضي.
وفي ذات الوقت، لم يوفّر الرئيس الأمريكيّ باراك أوباما مناسبةً إلا ونفى فيها فكرة تدخّل القوّات الأمريكية على الأرض، وهو ما أعاد التأكيد عليه حين طلب مؤخراً تفويض الكونغرس لمحاربة تنظيم الدولة. لكنه ضمّن "إستراتيجيته" الحربية ضد التنظيم احتمال قيام "قوّاتٍ أمريكيةٍ خاصّةٍ" ببعض العمليات "عند الحاجة". لتطرح هذه الإجراءات جملةً من التساؤلات عن فاعلية وفائدة برنامج التدريب وآفاقه، في ظل تعقيدات الوضع الميدانيّ وترتيب سلم أولويات الإدارة الأمريكية، الذي تتصدّره مكافحة داعش.
عدد القوّات ووظيفتها
تحدّث الناطق باسم البنتاغون عن حجم القوّات السورية المزمع تدريبها، والذي يقدّر أن يبلغ 5400 مقاتلٍ في السنة الأولى، ليصل في الإجمال إلى 16000 ألفاً على ثلاث سنوات. وحُدّدت المهامّ الثلاث الأساسية المنوطة بها بتنفيذ عملياتٍ هجوميةٍ ضد تنظيم الدولة، والدفاع عن المدنيين، ودعم المعارضة السياسية السورية. وبالرغم من عدم وجود أيّ ذكرٍ لمهامّ معلنةٍ لمواجهة قوّات الأسد؛ فسّر بعض المحللين واجبي دعم الائتلاف السوريّ وحماية المدنيين كأسبابٍ نظريةٍ لمواجهةٍ محتّمةٍ مع قوّات الأسد لمنعه من تحقيق مكاسب على الأرض، ولإبقاء الضغط على النظام للوصول في النهاية إلى تسويةٍ سياسيةٍ، وفق تصوّر الإدارة الأمريكية للحلّ في سوريا. لكن، مع ذلك، يبقى من غير المعلوم بعدُ طبيعة التشكيلات العسكرية، ونوع الأسلحة والعتاد الذي ستجهّز به، ولمن ستعود مسؤولية وضع إستراتيجيتها وإدارة عملياتها أو مناطق انتشارها.
احتياجات القوّات والمخاطر
لا شـك أنّ تأمــــين الإـداد اللوجستيّ، من ذخيرةٍ وطعامٍ وغير ذلك، يعدّ أبرز الاحتياجات التي ستواجه المجموعات العسكرية المدرَّبة. تضاف إليه الحاجة إلى المعلومات الاستخبارية والإسناد الجويّ في بعض الحالات. وتعدّ العلاقة مع المجتمعات المحلية وباقي الفصائل الثورية غير المنضوية في البرنامج الأمريكيّ، والتي تقوم بقتال قوّات الأسد أو داعش، واحدةً من المعضلات التي ستواجه هذه القوّة؛ إذ إنّ الفصائل الثورية الأخرى لن تنظر بعين الراحة إلى هذه القوّة ربما، في حال لم تكن للأخيرة أدوارٌ قتاليةٌ ظاهرةٌ ضد جيش الأسد والميليشيات المتحالفة معه، إذ إنّ "نشر القوّات الجديدة تدريجياً وتوكيلها بمهام فائقة الطموح، و/ أو نشرها في أراضي معركةٍ متنازعٍ عليها بشدّةٍ قد يؤدّي إلى فشلها أو تفككها"، بحسب ما جاء في تقريرٍ أعدّه معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، والذي سلّط الضوء على أهمية أن لا تتعرّض هذه التشكيلات إلى هجماتٍ متوقعةٍ من تنظيم الدولة، أو من طيران النظام وميليشياته على أقلّ تقديرٍ، قد تؤدّي إلى إنهاكها، ليصبح الإلقاء بـ 5000 آلاف مقاتلٍ "معتدلٍ" و"مُدرَّبٍ" ضرباً من العبث.
وبناءً على هذه المعطيات يصبح السيناريو الأكثر ترجيحاً لتذليل العقبات التي ستواجه نجاح هذه القوّة، ولتخفيف المخاطر المحدقة بها؛ هو إيجاد رقعةٍ جغرافيةٍ آمنةٍ ومحميّةٍ في الداخل السوريّ – منطقة عازلة ربما؟- تضمن جاهزية هذه القوّات وتجنّبها هجوم أعدائها المحتملين، لتشكّل فكرة إنشاء المنطقة العازلة تحدياً آخر للقرارات السياسية الأمريكية والدولية.
وقد قدّمت تجربة المعارك في كوباني، وفي بعض المناطق العراقية، نموذجاً جيّداً على قدرة القوّات المحلية، بالتعاون مع التغطية الجوية لقوّات التحالف، على التصدّي لتنظيم الدولة. وهذا ما سيشجّع إدارة أوباما على المضيّ قدماً في برنامج التدريب. لكن الأمر لا يبدو "بهذه السهولة" في المناطق الأخرى الأكثر حساسيةً، خاصّةً إذا لم يؤخذ بعين الاعتبار عامل تأمين الدعم الشعبيّ للبرنامج، والذي يتحقّق جزءٌ كبيرٌ منه بإثبات حسن النية تجاه الثورة وعكس ذلك تجاه نظام الأسد، وهذا لا تقدّمه سياسة النفس الطويل البليد التي ينتهجها أوباما وإدارته.