نساء مخيمات إدلب يكافحن لخلق مقومات الحياة لأسرهن

بعدسة الكاتبة

"لم أواجه طوال عمري أقسى وأمرّ من النزوح، فحياتنا أقرب إلى الموت في هذه المخيمات"

بهذه الكلمات عبرت أم علاء (40 عاماً) عن معاناتها بعد نزوحها من بلدة جرجناز إلى مخيم باريشا بريف إدلب الشمالي منذ أكثر من سنتين، تقول وهي منشغلة بعجن الطحين لإعداد الخبز: "فقدت زوجي وتهدم منزلنا الذي بنيناه حجراً فوق حجر، قبل أن أنزح مع أبنائي الستة إلى هذا المخيم الذي يعج بحكايات الألم، فإلى جانب فقدان الأحبة، والشوق والحنين لقرانا وبلداتنا التي أصبحت من ذكريات الماضي، تنعدم في حياتنا الراحة والخصوصية والأمان".

وتضيف: "أحاول أن أخفف بعض التكاليف التي أثقلت كاهلنا؛ كنت أضطر يومياً إلى شراء أربعة أكياس من الخبز بسعر 10 ليرات تركية، وفي كثير من الأيام لا أملك ثمنها، لذلك أستغل حصولنا على كيس من الطحين شهرياً ضمن المساعدات الإغاثية لأعد الخبز لأولادي، وأوفر ثمنها لشراء بقية الاحتياجات الأساسية اللازمة للبقاء".

أم علاء هي إحدى النازحات اللواتي يتجرعن مرارة الواقع، ويتحملن شظف العيش في مخيمات النزوح، بعد أن فرضت عليهن الحرب والمعارك المشتعلة ترك منازلهن، لتصبح الخيمة الصغيرة عالمهن الجديد، يفتقدن فيها الأمان والعيش الكريم، ويتحملن الكثير من الأعباء لتأمين بقائهن وبقاء أسرهن، وسط خدمات غائبة وظروف عيش قاسية .

وتتعدد أشكال المأساة التي تعيشها النساء داخل مخيمات النزوح، حيث يشكل انقطاع التيار الكهربائي فصلاً جديداً من معاناة النازحات يضاف إلى قسوة البعد عن منازلهن، والسكن في خيام قماشية لا تقي أطفالهن حر الصيف أو برد الشتاء.

سميحة العبسي (33 عاماً) نازحة من مدينة سراقب إلى مخيم بلدة كللي، تقضي معظم وقتها في غسل ملابس أطفالها يدوياً، لعدم توفر الكهرباء، وعن معاناتها تقول: "يعود أولادي من المدرسة بثياب متسخة بسبب السير في الطرقات الترابية الوعرة، ثمّ يخرجون للّعب بالتراب، ما يضطرني إلى تغيير ملابسهم بشكل يومي، وغسيلها يدوياً".

وتضيف: "نعيش حياة التشريد والترحال بكل تفاصيلها، دون غسالات ولا برادات نضع فيها أطعمتنا التي تفسد سريعاً في ظل ارتفاع درجات الحرارة".

كما تعاني النازحات من قلة المياه وغلاء أسعارها، رغم انتشار فيروس كورونا في مناطق شمال غربي سوريا، الأمر الذي يدفع الكثيرات إلى قطع مسافات بعيدة والوقوف في طوابير الماء كروتين يومي لجلب الماء.

عائشة الطعمة (29 عاماً) نازحة من ريف معرة النعمان الشرقي إلى مخيم الساروت التابع لمدينة سرمدا، وأم لثلاثة أطفال، تضطر لنقل المياه من ساحة المخيم إلى خيمتها، وعن ذلك تقول: "أنقل المياه بشكل يومي لمسافة لا تقل عن 500 متر لأداء أعمال المنزل وتحميم أطفالي أو غسل أيديهم بالماء والصابون على الأقل، لأجنبهم الوقوع فريسة الأمراض التي تنتشر في المخيم".

وتضيف: "يزيد كورونا من خوفنا باعتبارنا لا نملك ما نحارب به الوباء، فلا كمامات ولا معقمات، ولا حتى فرصة للتباعد الاجتماعي بسبب تلاصق الخيام، وعدم القدرة على حبس الأطفال في هذه الخيمة الضيقة التي تنعدم فيها وسائل الترفيه التي تجذبهم للبقاء".

وتحاول أن تقارن بين الحياة في بيتها قبل النزوح وحياتها الحالية، بقولها: "كنت أعيش في منزل مجهز بكافة الاحتياجات، أما اليوم فأحلم بمنزل له جدران يحميني مع أطفالي من القوارض والزواحف والحشرات".

وتضيف الطعمة موضحة ما تقاسيه مع بقية نساء المخيم: "في الخيام تغيرت حياتنا بشكل جذري، حيث تنعدم الخصوصية نتيجة تقارب الخيام، وتتقيد حريتنا في اللباس والكلام، دون أن نجد ما يحمينا سوى قماش الخيام الرقيق والشفاف، فضلاً عن عدم وجود أماكن مخصصة للاستحمام، والشعور بالحرج عند الذهاب أو العودة من دورات المياه على مرأى الجميع". مؤكدة أنها لا تجد سبيلاً لتحسين حياتها بسبب غلاء إيجارات المنازل وجشع أصحابها.

وفي المخيمات أصبحت المواقد الطينية بديلاً عن أسطوانات الغاز التي يفتقدها كثير من النازحين، بسبب غلاء أسعارها، فيستعيضون عنها بمواقد من حجارة وطين، ويتم تصميمها بمكان مخصص لإدخال أعواد الحطب، وإحراج الرماد بعد الانتهاء من طهي الطعام، وفتحة في الأعلى لوضع القدر عليها.

سمية الدبيبي (32 عاماً) نزحت من مدينة كفرنبل إلى مخيم بلدة كللي، تجلس قبالة موقد من طين وقِدْر صغير اسودَّت جوانبه من الدخان الكثيف المتصاعد من الموقد، لإعداد طعام الغداء لأسرتها، لعدم قدرة زوجها العاجز والعاطل عن العمل عن تأمين ثمن أسطوانة الغاز التي وصل سعرها إلى 100 ليرة تركية، أي ما يعادل 40 ألف ليرة سورية. وعن معاناتها تقول: "مثل معظم جاراتي قمت بصناعة موقد من طين وقش، وأستخدمه للطهي وتسخين المياه".

وتشير الدبيبي أنها تمضي وقتاً إضافياً في تنظيف أواني الطهي، وجمع العيدان والكرتون وأكياس النايلون اللازمة لإشعال النار .

وتختتم حديثها بابتسامة شابتها المرارة: "هربنا من شبح الموت والقذائف والصواريخ التي كانت تنهال علينا، لنعيش في مخيمات أشبه بالعراء، نقاسي الأمرين في تدبير شؤون حياتنا اليومية، فهل من سبيل لحياة كريمة تضع حداً لمعاناتنا!".

وبحسب بيان منسقو الاستجابة بداية شهر آب، فقد بلغ عدد المخيمات في شمال غربي سوريا 1489 مخيماً، يعيش فيها مليون و512 نازحاً، منهم 453829 إناث .

من جانبها أمل معترماوي (34 عاماً) من معرة النعمان، مرشدة نفسية وتعمل في مجال إغاثة النازحين، تقول لعين المدينة: "تواجه المرأة صعوبات جمة خلال انتقالها ونزوحها من منزلها إلى مجتمع جديد لا تستطيع التكيف معه بسهولة، مما يسبب لها الشعور بالقلق والاكتئاب والاغتراب النفسي عن بيتها وأسرتها وصعوبة التأقلم، والخوف الدائم من المجهول، بالإضافة إلى اضطرابات في النوم، واسترجاع تجارب الحرب المؤلمة".

وتلفت إلى ضرورة توفير كافة الخدمات ضمن المخيمات من مراكز تعليمية وصحية، وبناء منازل للنازحين بديلاً عن الخيام، تحفظ خصوصية النساء وتضع حداً لمعاناتهن اليومية .

وتبين أن النازحات اللواتي يواجهن حياة التشريد، وغياب سبل ووسائل الحياة اللازمة للعيش الكريم، يجمعهن حلم العودة إلى الديار، دون بارقة أمل بأن يتحقق الحلم على المدى القريب .