- Home
- Articles
- Radar
نازحو حلب الجدد: من براميل الموت إلى تعسّف النظام أو التشرّد التركيّ
عدسة أبو عامر | حلب | خاص عين المدينة
مالك مصطفى | أبو عامر الحلبي
لا توجد أرقامٌ دقيقةٌ لأعداد النازحين بعد حملة القصف الجويّ العنيفة التي شنّتها طائرات الأسد باستخدام البراميل المتفجرة على الأجزاء المحرّرة من مدينة حلب، ولكن التقديرات تشير إلى عشرات آلاف العائلات التي اضطرّت إلى اللجوء إلى الأحياء التي يسيطر عليها النظام، أو وصلت إلى تركيا، وخاصةً مدينة غازي عنتاب والمدن التابعة لها.
يعطينا محمد، المقاتل في الجيش الحرّ، صورةً عن الوضع بقوله: منذ بداية ثورة آذار لم أفكر يوماً بأنني سأترك البيت الذي ولدت فيه أنا وأولادي، ولكن الهجمة الأخيرة التي استهدفت معظم أحياء حلب المحرّرة بالبراميل المتفجرة لم تترك حجراً على حجر، فأرسلت أسرتي إلى المخيّمات التركية وبقيت في الحيّ مع من بقي لأدافع عن مدينتي.
لكن هذا لا يعني أنهم هربوا من الموت – يتابع محمد - فقد تم استهداف مركز انطلاق السيارات إلى تركيا عدة مرات، منها انفجارٌ في كراج الحيدرية، أدّى حينها إلى وقوع عدّة قتلى وإصابة أشخاصٍ آخرين. كما تمّ تفجير سيارةٍ مفخخةٍ في مخيم معبر باب السلامة بتاريخ 20-2-2014، وراح ضحية التفجير ما لا يقلّ عن ثلاثين مدنياً وجرح خمسون آخرون، ومعظمهم من النازحين السوريين.
من براميل النظام إلى مخابراته!
يفضّل قسمٌ من سكان حلب المحرّرة اللجوء اليوم إلى الأحياء التي تقع تحت سيطرة قوّات النظام، بسبب قربها وسهولة الوصول إليها، فضلاً عن وجود بعض الأقارب، والاستمرار في العيش ضمن النمط المألوف نفسه، من النواحي الاجتماعية والاقتصادية. ولكن يتمّ استهداف الذاهبين عبر معبر كراج الحجز إلى النصف الآخر من المدينة من قبل قناصي النظام المتمركزين في حيّ المشارقة والقصر البلدي المطلّ على المعبر، والذين يمارسون مهمتهم الإجرامية بمزيجٍ من الاستهتار والعبثية، دون أي رقيبٍ من السلطات التي من المفروض أنها ما تزال تبسط وجودها "النظاميّ" على أساس أنها جهاتٌ حكومية.
وفي حال نجا النازحون من الموت بالبراميل المتفجرة أو قنصاً، فإنهم لن يفلتوا من التعرّض للإهانة على حواجز شبّيحة النظام، التي هي أوّل ما يواجههم من سلطته، التي سيعانون منها الكثير من جديد، بحملات التفتيش والاشتباه، ومنعهم من الإقامة في بعض المناطق، باعتبار أنهم كانوا الحاضنة الاجتماعية للإرهابيين، الذين ربما استخدموهم في الأحياء المحتلة كخلايا نائمة. وكأن النازحين اختاروا السكن في مناطق النظام من جديد، والتعرّض لظلم أجهزته الأمنية ومزاجية شبيحته بإرادتهم!
قصص قصيرةٌ جداً
للطفل علي (11عاماً. من حيّ الميسّر) حكايةٌ حزينةٌ غيّرت حياته كلها. فبعد أن استشهد والده في غارة جوية لطائرات الأسد على المنطقة، هرب مع أمه خارج الحيّ، ثم وصلوا بعد رحلةٍ شاقةٍ إلى الحدود ليتوه عن والدته وينضمّ بمحض الصدفة إلى مجموعةٍ من النازحين الذين عبروا إلى الأراضي التركية. وهو الآن يقيم في مستودعٍ مخصّصٍ بالأصل لوجبات الطعام والأغطية، ولكنه فارغٌ الآن إلا من نزلائه الستمائة من النازحين الجدد. ويمضي علي نهاره في الوقوف على الباب مع مجموعات الرجال ينصت إلى أحاديثهم ويساعد بالتوزيع، ويسأل بدوره الأشخاص الذين يهتمّون به عن الأحياء التي جاؤوا منها، ويخبرهم أنه سيعود إلى حارته التي اشتاق إليها وسيصير مقاتلاً في الجيش الحرّ ليحارب عساكر بشار. وتقول ولاء، الطفلة التي لم تكمل عامها الثامن: هذه المرة الثالثة التي أفارق فيها أصدقائي في الحيّ، لكن هذه المرة كانت الأقسى لأنني فقدت أختي الصغيرة التي دفنت تحت أنقاض بيتنا. وأما نور (13 عاماً) فلا تبدي تجاه محل إقامتها الجديد سوى الذهول والعدوانية والاختباء، دون أن تستطيع الأكل - بحسب ما تقول أمها - منذ وصولهم إلى تركيا قبل ثلاثة أيام.
وفي المطبخ التابع للمستودع تقود الحاجة أم عمر، وهي امرأةٌ قويةٌ من حيّ الفردوس، زوجات أبنائها الثلاث في عميلة الطبخ وتحضير الطعام للنازحين. فقد استطاعت، بفضل إدارتها الحديدية، إنقاذ عائلتها من التفكك والضياع في ظروف الحرب والموت والنزوح، عندما خرجت بالنساء والأطفال من منزل العائلة الواسع، وقادت رحلة نزوحهم إلى تركيا. وهي اليوم واحدةٌ من "أعيان" مستودع النازحين الكبير.
مجموعةٌ من الناشطين ينجحون في تأمين الإقامة والطعام للمئات
أمام عجز المخيّمات عن استقبال أعدادٍ جديدةٍ من النازحين الذين توزعوا على الشوارع والساحات والحدائق العامة والأبنية قيد الإنشاء في ولاية عنتاب التركية، إضافة إلى المساجد ومحطات نقل الركاب وغير ذلك، دفع الإحساس بالواجب مجموعةً من الشبان السوريين للقيام بحملة إغاثةٍ خاصةٍ بالنازحين الجدد.
ويشعر حسين وياسمين وباقي أعضاء مجموعتهم بالغضب عندما يتحدثون عن قضية المشرّدين السوريين، وخاصةً مع الإهمال والتباطؤ وقلة الاكتراث التي أبداها بعض موظفي وحدة تنسيق الدعم التابعة للائتلاف، وغيرهم من مسؤولي الهيئات والمؤسسات، نحو عشرات الآلاف من الأطفال والنساء الهاربين من الموت.
بدأت القصة، كما يقول حسين، عندما عثروا بالصدفة على عائلةٍ مؤلفةٍ من أمٍّ وخمسة أطفالٍ لاذوا بزاويةٍ على أحد الأرصفة ليقضوا ليلتهم هناك، مما دفع مجموعة الناشطين إلى البحث عن مكانٍ تنام فيه هذه الأسرة، ليكتشفوا خلال ذلك عدداً أكبر من العائلات تحاول هي الأخرى التكيّف مع النوم في الشوارع. وبعد جهدٍ كبيرٍ تمكن الشبان من العثور على غرفةٍ يمكن للعائلة المشرّدة النوم فيها. ومنذ ذلك اليوم أطلقت مجموعة الناشطين هذه حملةً لجمع التبرّعات لتأمين الأموال اللازمة لشراء الطعام والأغطية والأدوية. وأصرّوا أن يكون نشاطهم هذا بدون أيّ اسم، تعبيراً عن رغبتهم في العمل والعمل فقط لمساعدة النازحين، واحتجاجاً على عجز الهيئات والمنظمات ذات الأسماء عن تقديم أية مساعدة. وتمكن ناشطو "بلا اسم" خلال وقتٍ قصيرٍ من تقديم وجبتي طعامٍ يومياً لمجموعة من النازحين تتألف من 600 نازحٍ بينهم400 امرأةٍ وطفل. وقامت بلدية كلس من طرفها بتأمين مستودعٍ كبيرٍ بطابقين أقامت فيه هذه المجموعة، إضافةً إلى استقبال الحالات المرضية الإسعافية في مشافي المدينة، في الوقت الذي أنف فيه جميع الأطباء السوريين عن زيارة المستودع ومعاينة المرضى من النازحين فيه، رغم وجود عددٍ من الجرحى بينهم،
وكذلك ظهور عددٍ من حالات الجرب والتحسّس الجلدي والتهاب القصبات الهوائية، إضافةً إلى حالات السكري والربو وارتفاع الضغط وغير ذلك من الأمراض المزمنة.
موظفو وحدة تنسيق الدعم ACU لا يعملون ليلاً
بعد محاولاتٍ شاقةٍ استمرت لأكثر من أسبوعين استجابت وحدة تنسيق الدعم لناشطي "بلا اسم"، وأبدى موظفوها القليل من الجدّ في قضية النازحين، بعد أن كانوا يعتذرون بأعذارٍ أقلّ ما توصف به أنها سخيفةٌ وأنانيةٌ وبعيدةٌ كلّ البعد عن وظيفة الوحدة التي يعملون فيها. فليس من المعقول أن يجيب أحد الموظفين على اتصال استغاثةٍ تلقاه بأن دوامه الرسميّ قد انتهى، أو بأنهم لا يستطيعون العمل ليلاً! فهم منشغلون بالتآمر على خصومهم في الهيئات الأخرى، أو بتسلياتهم الكثيرة في مطاعم ومقاهي وأسواق عنتاب. أما مكتبهم الفرعي في كلس فاعتذر عن التدخل في الموضوع قبل أن يقوم بجولةٍ استطلاعية
- إلى أمكنةٍ لا تبعد أكثر من خمس دقائق عن المكتب سيراً على الأقدام - للتأكد من حقيقة وجود نازحين جدد ينامون في العراء! وعندما أطلق هؤلاء الناشطون حملةً لجمع التبرعات لإغاثة النازحين، وجرى الاتصال بأكثر من 120 موظفاً يعملون في الهيئات والمنظمات والمكاتب المختصة بالشأن السوريّ؛ لم يستجب من كلّ هؤلاء سوى اثنين فقط. بالرغم من أن متوسط دخل الموظفّ الواحد هو ألفي دولار شهرياً، وبالرغم من انتماء أغلبيتهم إلى محافظة حلب وانتماء جميع النازحين الجدد إليها، مما يشير إلى أزمةٍ أخلاقيةٍ أولاً يعاني منها الكثير ممن يزعمون انتسابهم إلى الثورة.
وثّق موقع شهداء حلب سقوط 600 برميلٍ متفـــجـــرٍ على مدينة حلــــب
منــــذ تاريـــــخ 15-12-2013 وحـتى 23-2-2014، مما أدّى إلى وقوع 1539 شهيداً، بينهم 396 طفلاً.