غيّب الموت قبل أيامٍ قليلةٍ قائد القوى الجويّة الأسبق اللواء ناجي جميل، بعد سنواتٍ طويلةٍ من التقاعد قضاها في منزله بحيّ المالكي بدمشق. ولد ناجي في دير الزور عام 1932، لأسرةٍ غريبةٍ عن المنطقة جاءت إليها، بحسب رواياتٍ كثيرة، من الساحل السوريّ، أو من السلمية في ريف حماة، بحسب رواياتٍ أخرى. التحق جميل بالكلية الحربية وتخرج فيها عام 1954، ثم أوفد إلى بريطانيا لدراسة الطيران الحربيّ. ومثل غيره من الضباط البعثيين شارك في أول انقلابٍ للحزب، وكذلك في الانقلاب الثاني. واصطفّ إلى جانب حافظ الأسد في صراعه مع خصمه اللدود صلاح جديد، الى أن نجح الأسد في انقلاب عام 1970، ليعين تابعه المخلص ناجي كقائدٍ للقوى الجوية. واشتهر جميل خلال السنوات الثمانية التي قضاها في منصبه هذا كواحدٍ من أبرز الضباط المقرّبين لحافظ الأسد، وكذلك كوجهٍ سنيٍّ حرص الأسد على حضوره في أوجه سلطته، إلى أقيل عام 1978، بعد شائعةٍ أطلقتها أجهزة المخابرات بأنه تفاخر في جلسةٍ خاصةٍ أنهم مثلما جاؤوا بحافظ الأسد إلى الحكم قادرون على انتزاعه منه. لكن هذا مجرّد افتراءٍ على التابع المخلص، فالرجل أمضى سنوات خدمته في طاعة الأسد ولم يتوان عن فعل أيّ شيءٍ تقرباً له. ومنذ ذلك التاريخ لم يذكر لناجي جميل أيّ دور، رغم عضويته في القيادة القومية لحزب البعث، وهو منصبٌ شكليٌّ لا يتيح له أي حضورٍ ذي قيمة باستثناء بعض الأعمال الهامشية، مثل اللقاء مع بعض المعتقلين السياسيين أو المشاركة في بعض الاجتماعات والفعاليات الحزبية عديمة التأثير. وعلى ما يبدو من سيرته، تقبل جميل قدره برضوخٍ تامٍّ دون تذمرٍ أو احتجاجٍ أو حتى مراجعةٍ لدوره الإجراميّ في توطيد حكم حافظ الأسد. إنها ستةٌ وثلاثون عاماً قضاها ناجي جميل في التقاعد، لم يعرف الكثير عن حاله خلالها، لكن الأكيد أن مشاعر الفراغ والعدم التي أحسّ بها لم تدفع به إلى صحوة ضمير.