اضطرّت صحيفة «الأخبار»، المموّلة من إيران وحزب الله، إلى سحب مقالة الكاتب الأردنيّ الممانع ناهض حتّر من موقعها على شبكة الإنترنت، مع الاعتذار من الشعب السوريّ. تشكّل هذه المقالة-الفضيحة دفعاً للمنطق الممانع إلى حدوده القصوى، أكثر من كونها خروجاً على «مبادئ سياسيةٍ وأخلاقيةٍ» مزعومةٍ لجريدة الأخبار اتهمت حتر بخرقها. لذلك بدا هذا الأخير محقاً في احتجاجه على حذف مقالته حين تساءل مستنكراً: «ما هي "المبادئ"... ولمن الاعتذار؟» متهماً صحيفته بانتهاج نهجٍ ليبراليٍّ، بين العامين 2011 – 2012، وتبني وجهات نظر «المعارضة» السورية، قبل أن تتخطاها «تحت ضغط انحياز المقاومة، بلا لبس، إلى جانب الدولة السورية» حسب تعبيره. أما «الشعب السوريّ» الذي اعتذر منه رئيس تحرير الصحيفة، إبراهيم الأمين، على بذاءات حتر العنصرية بحقه، فهناك خلافٌ على تحديده بين الكاتب ورئيس التحرير، على ما نفهم من استنكار حتر.
ففي المقالة، التي حملت عنواناً لافتاً هو «بدء المرحلة الأولى للحلّ السياسيّ في سوريا»، سنفهم أن الحلّ السياسيّ الذي يقصده الكاتب إنما هو التخلص من أكبر كمٍّ ممكنٍ من المسلمين السوريين السنّة، الذين يسمّيهم «المكوّن الوهابيّ» غير القادر على «التعايش مع التعددية والنمط الحضاريّ الخاصّ بسوريا» حسب تعبيره. الأمر الذي يتمّ الآن برأيه في نوعٍ من الاصطفاء الطبيعيّ عن طريق الهجرة إلى القارة الأوروبية. ويضيف الكاتب اليساريّ من غير أن يرفّ له جفن: «إن خسارتهم لا تعدّ نزيفاً ديموغرافياً، في حين ينبغي إيقاف نزيف الكتلة الوطنية المدنية» التي «تئن تحت وطأة الهاونات وانقطاع الكهرباء والماء والغلاء وانخفاض المستوى المعيشيّ حتى اليأس».
واضحٌ من هذا التقسيم العنصري للسوريين بين «كتلة وطنية مدنية» (يقصد الأقليات الطائفية) و«مكوّنٍ وهابيٍّ» (الأكثرية المسلمة السنّية) أن معيار الممانعة ليس معياراً سياسياً متغيراً وعابراً للانتماءات الأهلية، بل هو اختلافٌ جوهريٌّ ثابتٌ في خصائص المكوّنات، بوصفها كذلك، منذ الأزل إلى الأبد. فالأوّلون ممانعون، خلقةً، لأنهم يقبلون بالتعايش مع «التعددية والنمط الحضاريّ الخاصّ بسوريا»، في حين يرفض الأخيرون هذا التعايش وذاك النمط ويشتغلون عملاء لأعداء الممانعة، فقط لأنهم مسلمون سنّة وليس لأيّ سببٍ آخر له علاقة بالمصالح الاجتماعية أو السياسية أو غيرها من الدوافع المتعارف عليها في عالمنا اليوم.
الواقع أن الكاتب يقدّم بنفسه الدليل على العكس، فهو ليس فقط غير قادرٍ على التعايش مع المكوّن المسلم السنّي، بل يدعو صراحةً إلى التخلص منه عبر التهجير القسري، واصفاً ذلك بـ«المرحلة الأولى من الحلّ السياسيّ». إنه، من هذا المنظور، يتفوّق على نظيره قائد جبهة النصرة، أبي محمد الجولانيّ، الذي منح، في حواره الشهير مع أحمد منصور على قناة الجزيرة، «الكتلة الوطنية المدنية» خيار العودة إلى الإسلام وإلا تطبيق الحدّ بحقهم. فالكاتب اليساريّ الممانع حرم «المكوّن الوهابيّ» خيار تغيير دينه ليصبح قادراً على التعايش مع التعددية والنمط الحضاريّ الخاصّ بسوريا، وحدد له مصيراً وحيداً هو التهجير القسريّ تحت وطأة براميل نظامه «الوطنيّ» وسلاحه الكيماويّ إلى أربع جهات الأرض، كما حدث للأرمن واليهود والفلسطينيين من قبل.
نقل رئيس تحرير صحيفة الحياة، غسان شربل، عن «زعيمٍ عربيٍّ» لم يسمّه كلاماً منسوباً للرئيس الروسي فلاديمير بوتن صاغه في شكلٍ سؤالٍ وجّهه إلى الزعيم العربيّ: «هل تعتقد أن الرئيس الأسد سيكتفي بقيادة دولةٍ من سبعة ملايين نسمة أو ثمانية؟». وفي آخر ظهوراته الإعلامية، كان بشار الكيماوي قد ميّز بين مناطق أكثر أهميةً من غيرها، تبريراً لانسحاباتٍ قد تضطرّ إليها قواته من هنا إلى هناك. وتتحدث تحليلاتٌ كثيرةٌ بصدد التدخل العسكريّ الروسيّ المستجدّ عن أن الأمر يتعلق، بالنسبة إلى القيادة الروسية، بتثبيت حصّتها من تركة الدولة السورية المنتهية، لتفرض ذلك كأمرٍ واقعٍ على أيّ طاولة مفاوضاتٍ دوليةٍ خاصّةٍ بتصفية هذه التركة وتوزيعها بين الورثة.
في هذا الإطار لنا أن نفهم بذاءة ناهض حتر العنصرية التي لا تخصّه وحده، بقدر ما تعمّ على المحور الممانع الشيعيّ وجميع الناطقين باسمه.