مقرر (تيارات فكرية معاصرة) في جامعة إدلب.. تكفير وحجر على عقول الطلاب

اسئلة الامتحان

على المقعد الخشبي وسط قاعة الامتحانات في جامعة إدلب، احترتُ في الإجابة على سؤال يقول بأن "الوظيفة الأساسية للدولة هي حماية حريات المواطنين مثل حرية التفكير والتعبير والملكية الخاصة والحرية الشخصية ويتجلى ذلك في: أ- العلمانية. ب- الإسلام. ج- الليبرالية. د- الشيوعية". والإشكالية هنا تمثلت في أن الإسلام في جوهره يسند إلى الدولة هذه الوظيفة، وبالتالي ينبغي أن تتضمن الإجابة: الإسلام كأحد الديانات السماوية الداعمة للحرية. لكن سلم التصحيح الصادر عقب الامتحانات عزا هذه الوظيفة إلى الليبرالية.

والأكثر استهجاناً من هذا السؤال، ما تلاه من أسئلة تضم في ثناياها أحكام التضليل والتبديع والتكفير، فقد وردت كلمة كافر أربع مرات في ورقة الأسئلة، وكلمة ضال مرتين، وكل هذا في نموذج واحد من نموذجين تم طرحهما في القاعات الامتحانية.

والحال، أن طبيعة المادة المفروضة على جميع طلاب السنة الثالثة في الجامعة من قبل كلية الشريعة، تعد مقرراً إشكالياً بحد ذاته. ويحمل المقرر اسم "تيارات فكرية معاصرة"، ومن جولة سريعة على المحتوى- المليء بالأخطاء المطبعية لدرجة أن جدول التصحيح الذي صدر عن كلية الشريعة حول المادة يعادل 3 صفحات كبيرة-، يمكن الخروج فوراً بفرضية تؤكد أنه يحوي خلاصة وجهة نظر مشايخ كلية الشريعة والحقوق في جامعة إدلب، بل وجهة نظر معظم رجال الدين المسلمين في سوريا حول: الاستشراق بوصفه مذهباً فكرياً يهدف للتشكيك بالإسلام، والقرآن، وبالفقه الإسلامي بجعله مستمداً من الفقه الروماني، وباللغة العربية. والليبرالية الداعية لإلغاء الجهاد وممارسة الأفراد حرياتهم ما يعني الوقوع في الشهوات. والعلمانية بوصفها أداة لهدم الدين. والديمقراطية المخالفة للقرآن ومبدأ الشورى في الإسلام.

 

وتمتلئ المادة الدراسية التي يفترض أنها موجهة لطلاب جامعيين في السنة الثالثة ما يعني أنهم قد اكتسبوا قدرات ومهارات على المحاكمة المنطقية، بمعلومات كانت متداولة في القرن الماضي عن الماسونية وكونها "جمعية إرهابية هدفها الأساسي سيطرة اليهود على العالم وتدعو للإلحاد والإباحية"، وهذه ترنيمة معروفة منذ عقود، منذ أيام الكتاب الشهير "بروتوكولات حكماء صهيون"، وما يزال المشايخ يرددونها في المجالس العامة والخاصة.

 

أما العلمانية فترد في المقرر الجامعي بوصفها "مذهباً باطلاً يفصل الدين عن الدولة" والباحثون أو المشايخ الذين كتبوا يكفرون معتنق العلمانية بصراحة في الكتاب، لأنها "تشريع من غير الله، وتؤدي إلى عدم الحكم بالشريعة". بينما تنال الليبرالية النصيب الأبرز من نقمة مؤلفي المقرر كونها تمثل جوهر الصراع بين الإسلام الجهادي والشامي المعتدل الذي تخرج من عباءتيهما دكاترة كلية الشريعة بجامعة إدلب، وبين الإسلام السياسي المعروف ب"الإسلام الليبرالي". وهنا يشيرون إلى أن الإسلام الليبرالي يعمل على إقصاء الشريعة، وإفساد المرأة المسلمة، ويتعامل قادته مع الغرب، ومعتنقو هذا الفكر -بحسب المقرر- يستخفون بالعقيدة الإسلامية ويسخرون منها، ويشمتون في الدين، ويقطعون الصلة بين المسلمين ومصادر القرآن.

على أن الإسلام السياسي وبالأخص "جماعة الإخوان المسلمون" نالوا نصيباً وافراً من النقد في مبحث الشيوعية والاشتراكية، بل ورد سؤال في ورقة الامتحانات حول "مذهب فكري ضل بعض المسلمين فنسبوه للإسلام ووصفوه بأنه إسلامي" ويقصدون به الاشتراكية، ومن المعلوم أن من قدم هذه الأطروحة في القرن العشرين هو مصطفى السباعي مؤسس جماعة إخوان سوريا في كتابه "اشتراكية الإسلام".

وفي الحديث عن الديمقراطية، يعرفها المقرر بأنها "تعني أن الشعب يحكم نفسه بنفسه، ومعتنقها كافر لأن الحكم لله وحده". ومن مساوئها أنها "تحارب الأديان، وتجعل كافة الشعب يمارس السلطة ويخضع للمشاورة"، في حين يقرر القائمون على المادة خلال حديثهم عن القومية بأننا "لسنا بحاجة لها كون المسلم أخو المسلم"، بينما لا يمانعون من محبة الوطنأثناء الحديث عن الوطنية، "بشرط ألا نقدمه على الدين".

المقرر من أوله حتى آخره، يعزو انتشار الأفكار الغربية إلى الجهل: جهل المسلمين بأمور دينهم، وجهلهم بحقيقة هذه الأفكار، والجهل العام الذي يعني الأمية والتخلف، إضافة لسبب آخر نجده موجوداً بكثافة، وهو رغبة المسلمين ب"الانفلات من الدين واتباعهم الشهوات"، في إثبات فج وصريح للأبوية التي يمارسها دكاترة كلية الشريعة على 13 ألف طالب بجامعة إدلب.

ومن حظي السيء أنه قبيل دخولنا إلى القاعة لتأدية الامتحان، وبينما كنت أحتسي فنجان قهوة لتهدئة المزاج، بعد مراجعة سريعة للمقرر، جلس شاب بلحية طويلة وجلابية بنية إلى جانبي، وبدا خلال النقاش أنه ينتمي لجماعة الدعوة والتبليغ وهي جماعة منتشرة في جميع أنحاء العالم ومصدرها الهند. افتتحنا حديثاً "بالطول والعرض" عن الجامعة ومقرراتها، وختمناه بسؤال وجيه من محدثي: "بنطالك الذي تلبسه جيد، لكن بنطلونات بقية الطلاب من الجينز، ترى لماذا لا تصدر الجامعة قراراً بفرض الجلابيات على الطلاب بدلاً من هذه الألبسة الغربية؟ لا شك أنها ستتعرض للإغلاق إذ (لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)".

لكن مداخلاته المركزة كانت عن الماسونية التي تدير العالم، وعن "حكومة الإنقاذ" التي تأتمر بأمر هذه الماسونية!.