تمثال من دورا أوروبوس في منزل أحد السماسرة | خاص عين المدينة
مقبرة دورا أوروبوس الأثريّة..
تحت معاول اللصوص
أيمن عيسى | خليل عبد الله
بعد أن أجهز اللصوص على الموقع الرئيسي لآثار دورا أوروبوس (الصالحية) وألحقوا به خراباً شبه كامل، انتقلوا منذ أسبوعين إلى موقعٍ آخر، هو المقبرة المجاورة للموقع، فحطّت آلات خرابهم تنبش قبوراً أثرية لم تقترب منها بعثات التنقيب من قبل. "عين المدينة" تسللت إلى هناك مرةً أخرى، واستطاعت أن ترصد كارثةً آثاريةً جديدةً تحدث الآن وفي وضح النهار.
تأسست مدينة دورا أوروبوس سنة 303 قبل الميلاد، إبان حكم سلوقس الأول ـ أحد جنرالات الإسكندر الكبير الذي حكم ولاية بابل ـ على الضفة اليمنى للفرات. وكان لهذا الموقع، الذي سمّي أوروبوس نسبةً إلى قرية سلوقس في مكدونية، ودورا التي تعني الحصن باللغات السامية؛ أهميةٌ عسكريةٌ كبيرةٌ خلال الحروب البارثية ـ السلوقية، وفيما بعد في الحروب الساسانية ـ الرومانية. وقعت المدينة تحت السيطرة البارثية عام 113 ق. م، وعاشت في هذه المرحلة عصرها الذهبي من حيث السلام والتآخي بين الأديان. وفي عام 165 م احتلّها الرومان لتعود ثانيةً حصناً عسكرياً مدافعاً عن الحدود الشرقيّة للإمبراطورية الرومانية،
قبل أن يحتلها الساسانيون ويدمّروها عام 256 ميلادية، عندما قاموا بنهب المدينة وإفراغها من سكانها لتصبح مهجورةً منذ ذاك التاريخ.
تميزت دورا أوروبوس بالمزج بين مختلف الثقافات والأديان، التي تعايشت جنباً إلى جنب. فقد كان يوجد فيها سبعة عشر معبداً، أهمها معبد بل ومعبد أرتميس والبيت المسيحي الأقدم في العالم والكنيس المحلي المعاد بناؤه في متحف دمشق. وخارج أسوار المدينة توجد منطقة المقبرة التي نتناولها في هذا التحقيق، وكانت تضم ـ كما هو الحال في تدمر ـ مدافن برجيةً ومدافن تحت أرضية، بعضها قبورٌ فرديةٌ والبعض الآخر مدافن جماعية.
صباح اللصوص الجميل..
على الطريق العام الممتدّ بين دير الزور والبوكمال، وتحديداً في القرى القريبة شرقاً وغرباً من موقع دورا أوروبوس، يقف عمال الآثار متوزّعين على ورشاتٍ صغيرةٍ بانتظار سيارةٍ عابرةٍ تقلّهم إلى مكان عملهم، أو ينطلقون في السيارات الخاصّة بالنسبة إلى بعض الورشات المقتدرة، أو بالدرّاجات النارية للبعض الآخر. الجميع يحمل عدّة العمل، فؤوسٌ كبيرةٌ وأخرى صغيرة، مجارف ومناخل أيضاً، إضافةً إلى أكياس الطعام والشراب. تلاحظ الحماسة والبهجة والنشاط على وجوه الجميع، فهناك أملٌ كبيرٌ هذا اليوم بالعثور على شيء. والأشياء التي يمكن أن يعثر عليها المرء في دورا أوروبوس كثيرة، وباب السرقة لم يغلق حتى بعد أن فُتشت المنطقة داخل السور حفنةً حفنةً من التراب،
أو حُفر تحت كل جدارٍ وفي كل بناءٍ أو غرفة، كما تسمى باصطلاح المنقبين. وما من حاجةٍ للتنافس مع الورشات الأخرى على الغرف القليلة المتبقية، فهناك اكتشافٌ جديدٌ على قطعة الأرض الممتدة لمسافة 4 كم من الشرق إلى الغرب بموازاة الطريق العام، والمحصورة بين هذا الطريق والأسوار؛ اكتشافٌ لا يقل أهمية عما داخل السور، فالمقابر ـ أو "الخشـــــخاشــــات" وفق تسمية المنقّبين
ـ تحوي على كنوزٍ واعدةٍ تأتي حبّات الخرز (بحجومها وألوانها المختلفة) والخواتم الفضية والذهبية في مقدمتها. وبلغ عدد القبور المحفورة حتى الآن أكثر من خمسين، بين فرديٍّ وجماعي، يقوم بالتنقيب فيها حوالي 400 شخص.
كان لموقع دورا أوروبوس حارسان. توفـي أحدهما بعد اندلاع الثورة بقليل، وترك الآخر عمله ليعتكف في بيته عاجزاً عن فعل شيء.
كيف تعثر على قبرٍ أثريّ؟
بعض القبور (خشخاشة) فرديّ، وبعضها جماعيّ. وتتلخّص عملية التنقيب بفحص النتوءات البارزة عن سطح الأرض، وذلك بغرس قضيبٍ معدنيٍّ داخل تربة هذا النتوء، لعمقٍ بين المتر ونصف المتر، فإن كانت التربة رخوةً بالمقارنة مع التربة الطبيعية المجاورة، وإن ارتطم القضيب بعد غرسه بشيءٍ صلب؛ فعلى الأرجح ـ وفق ما اعتاد الحفارون ـ أن يكون هذا النتوء قبراً (خشخاشة) إفرادياً. ليبدأ الحفر بعد ذلك، وخلال وقتٍ قصيرٍ تظهر الصخرة التي تغطي جوف القبر. وبعد أن يتم رفعها يبدأ الحفر باستخدام الفؤوس الصغيرة والمجارف لرفع التربة الهشّة من داخل القبر إلى المناخل التي تلتقط اللقى من الخرز والخواتم وربما العملات، وكذلك البقايا البشرية من العظام والجماجم والأسنان. وعلى عمق مترٍ أسفل الصخرة يتوقف الحفر في أغلب المرّات.
وأما القبور الجماعية فالعثور عليها يبدأ بملاحظة نتوءٍ أكبر حجماً على وجه الأرض. ويبدأ الحفر من الأطراف للعثور على ما يشبه النفق الذي يؤدي إلى حجرة المدفن الجماعي، حيث ممرٌ صغيرٌ وعلى جانبيه ستة قبور على اليمين وستة أخرى على اليسار.
هل تريدني أن أسرق!؟
على باب سور دورا أوروبوس ظهــــــرت مؤخـــــراً عـــــربةٌ لبيــع الشــاي والســــندويش، تقــــدّم الأطعــــمة للتجار والسماسرة الميدانيين، الذين يستظلون بظلّ السور ليأخذوا قسطاً من الراحة بعد الطواف على الورشات أو الخشاخيش، وحيث يتم تداول آخر الأنباء عن اللقى لحظةً بلحظة، وحيث تبدأ المساومات الجانبية في سوقٍ حقيقيٍّ للعرض والطلب. هؤلاء التجار القادمون من حلب وإدلب والرقة والحسكة بسياراتٍ حديثة، ينزل كل واحد منهم ضيفاً في بيت سمساره الخاص في إحدى القرى القريبة، ذلك السمسار الذي يأخذ نسبةً من كل عملية بيع، ويحاول دائماً أن يجري عمليات شراءٍ مباشرٍ دون علم التاجر، ليبيع ما اشتراه بسعرٍ أعلى بعد ذلك.
كما يحاول بعض الحفارين تجاوز السماسرة ويعرضون اللقى على التاجر مباشرةً، الذي يدفع ـ وفي أحسن الأحوال ـ ثمناً بخساً في كل مرّةٍ لكنزٍ تاريخيٍّ وثقافيٍّ من كنوز هذه البلاد المنهوبة. ومثل أي سوقٍ عاديٍّ توجد أصنافٌ مختلفةٌ من الناس، ولا تبرز أية علامةٍ على أن أمراً عجيباً وغير معقولٍ يحدث، ولا يشعر أحدٌ بأي ذنب، فهو عملٌ مثل أي عمل، رغم انتهاك حرمة القبور وتنبيه أحد المشايخ إلى عدم شرعية ذلك، ونهيه عن المتاجرة بالآثار. تسأل "عين المدينة" شاباً ثلاثينياً في طريق عودته من العمل بعد نهار حفرٍ طويل: هل تشعر بالذنب؟ فيجيب الشاب مستنكراً "وهل تريدني أن أسرق!؟". ويقول عاملٌ في أواخر العشرينات من العمر: لن أترك الحفر حتى أجد شيئاً... ذهب، فضة، تمثال، أو أيّ شيءٍ ثمين. وبعد ذلك أتجه إلى عملٍ آخر.
لقى وأسعار:
- 1000 ل. س سعر خرزة صغيرة بحجم حبة السبحة أو المسباح (33 حبة) بدون رسومات.
- من 1000 إلى 2000 ل. س سعر الخرزة الصغيرة برسوماتٍ ونقوشٍ مختلفة.
- من 4000 إلى 7000 ل. س سعر الخرزة الكبيرة بحجم حبة التمر، التي نقشت عليها غالباً رسومٌ للهلال ولرؤوس الغزلان والأفاعي.
- من 18000 إلى 20000 ل. س سعر خاتم الفضة مع الحجر (شظرة).
- من 5000 إلى 7000 ل. س سعر خاتم الفضة من دون شظرة.
- سعر خاتم الذهب غير محدّد.
- سعر التمثال غير محدّد.