شاي وبوراكو وثورة... وجيش حرّ وشبّيحة هاربون وحشيش
"منين أجيب جواكر؟ أطبعها يعني!"
"خذ هالختايرة وروح اعمللهم عمرة"
بلهجة مدينة دير الزور، التي لا تشبه أيّ لهجةٍ سوريةٍ أخرى، يناكف لاعبو "البوراكو" بعضهم في مقهى الروضة. وهو أول المقاهي الديرية المفتتحة في مدينة أورفا التركية، قبل أن تتبعه (7) مقاهٍ ديريةٍ أخرى، كابن البلد والحجاز والجسر والنوفرة وغيرها، لتكون نوادي لا يمكن للديريّ الاستغناء عنها حتى لو كان نازحاً. فـ"القهوة" ومواعدة الأصدقاء للقاء فيها، ورؤية آخرين صدفةً أو البحث عنهم هناك ثم العودة قبل منتصف الليل أو بعده؛ كلها مفرداتٌ لازمةٌ للحياة أو وسائل لاستعادتها. ويكون الجواب واحداً تقريباً في معرض الدفاع عن هذا السلوك: "شكون نعمل؟". والحقّ أن ما يمكن لنازحٍ ديريٍّ بظروفه الموضوعية أن يفعله قليل؛ لا شيء سوى الشاي وسلاسل البوراكو التي تستغرق الوقت وتبعد الهموم عن الرأس.
في أشهر الحضور الديريّ الأولى، كان مقهى الهاشمية محطة التقاءٍ رئيسيةٍ للناشطين ولأفراد الجيش الحرّ ولقادتهم، وكذلك للجرحى ذوي الإصابات الخفيفة والمتوسّطة أثناء نقاهاتهم. قبل أن يأخذ البعض المبادرة بافتتاح "قهوة"، وهو المشروع الرابح في معظم الحالات، لأن "شريك الميّ ما يخسر"، مع مراعاة اختيار النادل، الذي يسميه الديريون "الساقي"، فتشغيل ساقٍ متميزٍ هو أحد أهم عوامل نجاح أيّ "قهوة".
بعض الوقت للبوراكو، وبعض الطاولات لمشاريع عملٍ نادراً ما تتحوّل الى حقائق. فيما يحتلّ الحديث أو التفاوض على قطع آثارٍ (مزيفةٍ غالباً) مساحةً مهمةً من مجموع المواضيع الرئيسية لمرتادي المقاهي الديرية، بالتزامن مع مشاركة الجميع في المؤتمر النقديّ المفتوح عن أخطاء الثوّار وكشف لصوص الثورة. ولا بأس، كلما سنحت الفرصة، بقليلٍ من التفاخر بالنفس أو بالكتيبة أو بالمجموعة العشائرية. ودائماً لداعش وللدواعش نصيبٌ مع كلّ صينية شاي.
في الآونة الأخيرة تتالى ظهور مؤيدين سابقين للنظام في مجتمع نزوح أورفا، اتُّهم بعضهم بالتطوّع الى مجموعات الشبّيحة التي سمّاها النظام الدفاع الوطنيّ. هرب هؤلاء عبر مطار دير الزور العسكريّ إلى دمشق ثم بيروت فمرسين، وصولاً إلى الفضاء المحبّب مع أبناء البلد في أورفا. إذ لا يمكن لابن دير الزور، وإن كان موالياً للنظام، أن يبتعد عن محيطه، حتى لو كان هذا المحيط في الخندق الآخر. سُجِّل ظهور بعض هؤلاء في بعض المقاهي خلال الشهر الأخير. وأثارت أنباء وصولهم شهية مقاتلي الجيش الحرّ السابقين للشجار، لتبدأ عمليات تفتيش و"كبساتٍ" على بعض المقاهي بحثاً عنهم لتلقينهم درساً و"إطعامهم قتلاتٍ" دامية. وهو ما حدث بالفعل في وقائع عدّةٍ كان آخرها "قتلةٌ" تلقاها ثلاثةٌ من عناصر الدفاع، بينهم "الجقال" مساعد "فراس العراقية" أحد أشهر شبّيحة دير الزور، عُثر عليهم في مقهى "ابن البلد" يلعبون البوراكو كأنهم لم يرتكبوا أيّ فعل شائن، كما يشرح أحد عناصر الحرّ المبتهجين بتأديب "الخونة" وطردهم من أورفا نهائياً، أو من مقاهيها على الأقلّ. لكن بهجة محدّثنا لم تكتمل، مع معاودة ظهور "الخونة" برفقة عناصر آخرين من الجيش الحرّ متّهمين بالفساد والسرقة وإدمان المخدرات.