زيد مستو
135 شخصاً استقلوا خمس حافلاتٍ، برفقة ممثلي الأمم المتحدة وسياراتٍ تابعةٍ للأمن السياسيّ وجيش النظام، بالإضافة إلى سيارات بعض أعضاء لجنة المصالحة وسياراتٍ للهلال الأحمر السوريّ؛ خرجت من مدينة قدسيا بريف دمشق الغربيّ إلى حمص فمصياف ومنها إلى قلعة المضيق بريف حماة وصولاً إلى كفرنبل بريف إدلب المحرّرة في اليوم الأخير من تشرين الثاني المنصرم.
جاءت هذه الخطوة بعد مفاوضاتٍ استمرّت لأشهرٍ بين ثوّار المدينة والنظام عبر وسطاء على رأسهم مفتي دمشق وريفها عدنان أفيوني، الذي كان يتمتع بشعبيةٍ كبيرةٍ في المدينة كرجل دينٍ عاش فيها وأنشأ معاهد لتحفيظ القرآن قبل أن يقرّر الوقوف في صفّ النظام بعد انطلاق الثورة. تتوزّع الهدنة على عدّة مراحل، يتمّ خلالها تسليم مقاتلين من قوّات المعارضة أسلحتهم للنظام، والتي ستسلم فيما بعد للجانٍ من الأهالي مهمتها حفظ أمن المدينة. وفي حال رفض المقاتلون تسليم أسلحتهم يحقّ لهم تسجيل أسمائهم لدى لجنة المصالحة المؤلفة من فريق الهلال الأحمر السوريّ ووفدٍ من الأمم المتحدة، مما يخوّلهم الخروج مع عائلاتهم إلى محافظة إدلب في الشمال. وبموجب الهدنة سيقوم النظام بفتح الطرقات والسماح بإدخال المواد الغذائية إلى المدينة التي تعاني من حصارٍ منذ عيد الفطر الماضي.
نشرت صحيفة الوطن، المقرّبة من النظام، نصّ الاتفاق في الأسبوع الماضي. وأبرز بنوده عدم دخول عناصر الجيش أو الأجهزة الأمنية إلى المدينة إلا بشكلٍ فرديٍّ ودون سلاح، سواء لتفقد منازلهم أو لزيارة أهاليهم وأقاربهم، في حين يتعهّد أهالي قدسيا بوقف عمليات خطف هؤلاء. وإذا تمّ الخروج عن هذا الاتفاق بتصرّفٍ فرديٍّ من ابن إحدى العائلات المحلية، بالخطف أو بالقتل، فإن العائلة هي من يحاسب ابنها على فعلته، وإن لم تفعل فستقوم باقي العائلات بذلك. أثارت هذه البنود تخوّفاً لدى مؤيّدي الثورة من أن قدسيا أصبحت في عهدة النظام، خصوصاً بعد خسارتها 135 "مقاتلاً" تمّ ترحيلهم إلى إدلب، لكن الحقيقة أن بين هؤلاء اثنين فقط من المقاتلين الذين يعوّل عليهم، أحدهم ضابطٌ منشقٌّ ينحدر من إدلب كان يعمل في المجال المسلح في قدسيا، ووجد في المصالحة فرصةً للعودة إلى أهله، وآخر هو مقاتلٌ رئيسيٌّ من الثوّار، أما من تبقى فمعظمهم من الشبان والعائلات التي تسعى إلى الهجرة إلى أوربا.
النظام المتغلغل عبر "العواينية"، سواء في قدسيا أو غيرها، لا بدّ أنه يعرف تفاصيل وضع هؤلاء. ولا بدّ أن سبباً دفعه إلى قبول هذه الصفقة.
يفسّر أحد الثوّار ذلك بـ"حساسية" المنطقة التي لا يسعى النظام إلى إشعال جبهةٍ فيها، وبأنه يريد أن يظهر لأنصاره أنه حقق انتصاراً على "المسلحين" في قدسيا، بعد انتقاد هؤلاء المؤيدين الدائم لوجود هذا البؤرة "المفزعة" وسط مناطق سكنهم، وهو ما أدّى إلى خسارتهم، بحسب ما يقول أحد قادة الثوّار في المدينة "أكبر عددٍ من الضباط على مستوى سوريا" تمّت تصفيتهم. يؤخذ هذا التفسير في الاعتبار، لكن لا يمكن عزل هذه الحالة عن صفقةٍ تمّت مؤخراً في حيّ الوعر الحمصيّ، الذي لا يزال محاصراً من قوّات النظام والمسلحين الموالين له بانتظار تنفيذ الاتفاق بينهم وبين فصائل مقاتلةٍ وإسلاميةٍ في الحيّ. ويتضمّن الاتفاق وقف إطلاق النار، والإفراج عن معتقلين، وإعادة تفعيل الدوائر الحكومية في الحيّ، وإدخال مواد طبيةٍ وإغاثيةٍ إليه، بالإضافة إلى خروج نحو 3200 مقاتلٍ منه إلى ريف حمص الشماليّ وريف حماة. على أن تخرج المجموعة الأولى، التي تضمّ مقاتلين من جبهة النصرة ومؤيدين لتنظيم "الدولة الإسلامية"، إلى محافظتي حماة وإدلب، فيما سيتمّ خروج بقية المقاتلين باتجاه ريف حماة الشماليّ على دفعات. وقبل ذلك جرت اتفاقية الزبداني بالشروط نفسها تقريباً.
إذاً، المعادلة باختصارٍ هي حصارٌ وتجويع، يعقبه اتفاقٌ على إخراج المسلحين، أو حتى المعارضين فقط، إلى المناطق التي فقد النظام الأمل في عودتها. وهو ما يذكّر بخطاب بشار الأسد الأخير حين أعلن أن هناك أولوياتٍ مناطقيةً، إذ لا حاجة إلى مدنٍ مثل إدلب والرقة لتكون جزءاً من سوريا. أي لتتنازع فيها الفصائل ويسيطر عليها المتطرّفون، فالمهمّ أن تبقى مناطقه آمنةً دون مقاتلين، أو حتى معارضين. وإن تحقّق هذا على أمدٍ طويل.