مشكلاتٌ في التربية والتعليم

من مدارس الميادين

حين يتـحوّل معتمدو أكـبر مؤسسات الدولة إلى تجّار حرب

ترافقت الحروب دائماً مع وجود شريحةٍ من الناس الذين يطلق عليهم مجازاً "تجّار الحروب"، وهم في الغالب من التجار أو من الانتهازيين الذين استغلوا فرصةً ما للانقضاض على قوت الشعوب واستثماره بما يتوافق مع مصالحهم الخاصة. والحرب الدائرة في سوريا اليوم، بين الشعب والنظام القمعيّ المقيت، لم تشذّ أبداً عن القاعدة. وهذه المرّة كان للعديد من المعتمدين الماليين في مديرية تربية دير الزور خصوصاً موقع الصدارة بين هؤلاء.
إذ لا يخفى على أحدٍ الواقع الذي يعيشه أبناء دير الزور، الذين تشرّدوا في الجهات الأربع. وبناءً على تعليمات سيادة وزير التربية، وغيره من أذناب القيادة الحكيمة، كان من المفترض تقديم كلّ تسهيلٍ ممكنٍ لمن أجبرتهــــم "العصـــابات المسلحة" على مغادرة مدينتهم. فكان على النازح ضمن المحافظة، أو إلى الرقة أو الحسكة أو غيرهما من محــــــافظات سوريا، أن يأتـــي كل شهرٍ إلى القــــــسم المحتلّ من مدينــــــة دير الزور لاستلام راتبه. إلا أنه، وبعد قطع طريــــــق ديــر الزور - الميادين من عند موحــــسن؛ صار لا بدّ من عبور النهر للوصول إلى المدينة،
وبالتالي فإن قسماً كبيراً من كبار السنّ والمرضى لم يعودوا يتمكنون من الوصول بأنفسهم، فصاروا يرسلون من يستلم الرواتب عنهم. وهنا يتمكن المحاسب من ابتزاز من أتى من طرف المعلّم دون أن يتمكن هذا الوكيل من الاعتراض، فيصل الراتب ناقصاً ألفاً أو اثنين أو ثلاثةً في كلّ شهر.
هذا عدا عن سماسرة التربية المختصّين بالتعامل مع بعض المحاسبين، إذ صار بإمكانك أن تقبض راتبك عن طريق وسيطٍ مقابل دفع مبلغٍ من المال يذهب بالتساوي على الأغلب بين الوسيط (السمسار) وبين معتمد الرواتب.

صـورة الســـفّاح على "الـجلاء" المدرسيّ!

004

أسبوعان تقريباً مرّا على بداية الفصل الدراسيّ الثاني في سوريا، أي أن مناسبةً هامةً ينتظرها الطلبة وأولياء الأمور، وهي توزيع "الجلاء" المدرسي. لم يكن هناك موعدٌ مشتركٌ بين المدارس لتسليم تلك الوثيقة الدراسية للطلبة، إلا أن المشترك مع الأسف كان وجود صورة السفاح ينظر ببلادةٍ إلى وجوه كل من يطالعون تلك الوثيقة. كان وجوده مثيراً للاشمئزاز عند الكثير من الأهالي،
والغضب عند ذوي الشهداء. بعد عامٍ كاملٍ من تحرير مدينة الميادين، وبعد تمزيق صوره المعلقة في الدوائر الحكومية والمدارس، يعود شبحه مجدداً ليدخل المنازل في وثائق أبنائنا المدرسية. والسؤال هو:
إن كانت هذه الوثيقة، وأقصد هنا "الجلاء" المدرسيّ، لا يتم توزيعها من قبل مديرية التربية، بل يشتريها المعلمون أو مدير المدرسة بنقود ما يسمّى "التعاون والنشاط" التي يدفعها التلاميذ؛ أما كان من الممكن أن يتم تصميم "جلاءٍ" جديدٍ أكثر "نظافةً" وأكثر مراعاةً لمشاعر الناس عموماً وذوي الشهداء بصورةٍ خاصّة؟

الدعـــم النـــفسيّ للأطـــفال لا يقــــلّ أهمــيةً عن القراءة والكتابة

يشــــكو الكثــــير من الطــــلبة في المدارس الابتدائية بصورةٍ خاصّة، وكذلك أولياء الأمور، من إلغاء العديد من المواد التي كان يمكن لها أن تلعب دوراً كبيراً في الدعم النفسيّ لأطفالٍ هم بأمسّ الحاجة إليه في ظروف الحرب التي تعيشها سوريا، وهي مواد الرياضة والرسم والموسيقى. وبالطبع كان غياب هذه المواد بحجة ضغط الحصص الدراسية لاستيعاب أكبر عددٍ ممكنٍ من الطلبة في البناء الواحد وعلى أفواج، بحيث صار المنهج يقتصر على مادتي القراءة والرياضيات وبعض حصص العلوم - إن أراد المعلم ذلك - إلا أن هذه السياسة، وخلال أشهرٍ من التطبيق،
سبّبت ضغطاً نفسيّاً كبيراً على الأطفال في المرحلة الأولى من التعليم الأساسيّ بصورةٍ خاصّة، وقد أثر هذا الضغط حتى على معدّلات تحصيلهم الدراسيّ، وهذا ما يؤكده العديد من أولياء الأمور، وقسمٌ كبيرٌ من المربّين والمختصّين في مجال الرعاية النفسيّة.