مسروقات الغوطة تُحرّك أسواق جرمانا بريف دمشق.. شيوخ دين يبيحون المسروقات كغنائم حرب وآخرون يحرمونها

على واجهة بعض المحلات التجارية في حي جرمانا بأطراف دمشق يُقاطع بعض الباعة ظاهرة «الغنائم» من المدن والبلدات التي تدخلها قوات النظام بعبارة «لا نعمل بالمعفش والمستعمل»، لكن تلك المقاطعة تبدو بلا تأثير يُذكر في الأسواق، التي تشغل الغنائم كل متر مربع فيها هذه الأيام، من أثاث منزلي وأدوات مطبخ وأبواب وشبابيك وألبسة وخردوات وغيرها مما جلبه القادة والعناصر في قوات الأسد من منازل السكان وممتلكاتهم، بُعيد سيطرتها على مدن الغوطة الشرقية وبلداتها.

يبدو رفض التجارة بالمسروقات استنكاراً شجاعاً من أولئك الباعة، وإن وجدوا لذلك تبريراً يُبقيهم في دائرة الولاء للنظام، بأن «الرئيس ما يرضى بهيك سلوكيات»، وأن «هدول المعفشين بيسيئوا لشهداء الجيش»، وكثيراً ما سقط هؤلاء الشهداء أثناء السرقة أو استعجالاً لها.

يشرح سائق سيارة الأجرة، أثناء توقفنا خلف شاحنة محملة بالأبواب والشبابيك، أفضلية الألمنيوم على غيره من المعادن، بغلاء سعره وسهولة بيعه كما هو، أبواباً أو شبابيك أو طناجر مطبخ، وسهولة صهره كذلك مقارنة بالمعادن الأخرى، أو صهره قبل البيع. يمتثل بعض المارة في الأسواق لفتاوى متداولة تُحرّم شراء المسروقات، ولا يُبالي الأكثرية بذلك، ويجد بعضهم في فتاوى معاكسة إرضاء كافياً للضمير.

تُفاخر أم خالد، وهي زوجة ثلاثينية من حلب لعنصر في ميليشيا تابعة للنظام، بما يجلبه زوجها بين حين وآخر: «براد بابين كبير، وجلاية ومكرويف وفرن، وقلاطق ثقال وغرفة نوم» أثثت به بيتها المُستأجر في مخيم جرمانا للنازحين، ولا تنسى، في تباهيها بهدايا الزوج، أن تُعرّج همساً وبطرق مختلفة لفتوى تنسبها لشيخ «مسلم سني» أباح فيها «الغنيمة»، لأن زوجها و«زملاءه»، حسب ما تشرح من رأسها، يُخاطرون بحياتهم ويحملون دمهم براحات أيديهم.

لا تهتم أم فاطر من ريف اللاذقية بالفتاوى، وكل ما يشغل بالها عودة زوجها العنصر في ميليشيا «النمر» سالماً وغانماً بعيد كل معركة. ومن بين ما يجلبه من «أرزاق» وافرة، تُبدي اهتماماً خاصاً بالموبايلات التي تُوزّع بعضها هدايا هنا وهناك على الأقارب والأصدقاء، ولا تُخفي غضبها على دوريات الأمن التي تلاحق أحياناً –ومن دون جدوى- تجار الغنائم ومُورديها «خطي، الله يحرق قلوبكن متل ما عم تحرقوا قلوب هالفقرا».

لا يُمانع أسامة، وهو شاب دمشقي يعمل في مكتب عقاري بجرمانا، في شراء ما يلزمه من البسطات، ويرى فيها مجرد ظاهرة من الظواهر التي تُخلّفها الحروب، ويجد في شراء المسروقات حلاً يخفف على النازحين القادمين من خارج دمشق ما يُلاقونه فيها من غلاء لكل شيء «طلعوا بتيابن، ما قدروا يجيبو فرش ولا عفش» حسب ما يقول، وهو يحاول تشغيل «لابتوب» من حرستا اشتراه ب(500) ليرة.

انتقل سامر، وهو شاب من ريف السويداء، إلى جرمانا للسكن في بيت اشتراه حديثاً، ورغم عجزه عن شراء أثاث كامل وجديد لهذا البيت، إلا أنه ما يزال يرفض شراء ولو «مخدة مسروقة»، وينقل سامر عن شيوخ من الطائفة الدرزية التي ينتمي إليها فتوى تُحرم شراء المسروقات، ويفسرها بموقف مبدئي لدى البعض، وضغط من شرائح مثقفة في مجتمع الطائفة لدى البعض الآخر، تجنباً لصراعات طويلة الأجل مع أهالي المدن والأحياء المجاورة لجرمانا.

تقع بين حين وآخر اشتباكات بين عناصر الميليشيات بسبب «الغنائم» وتقاسم الشوارع والنفوذ في أسواق البيع، تتصاعد إلى حد تخلو فيه الأسواق من الزبائن، قبل أن يتدخل ضباط وقادة أرفع شأناً ويفضوا الاشتباكات، ثم تعود الحركة إلى طبيعتها.

سلمى موظفة حكومية في الثلاثينات من العمر تهوى جمع الإكسسوارت والحلي المقلدة، وتنفق جزءاً من راتبها الشهري في شراء قلائد وأساور وحلقات، وجدت عقداً أعجبها على واحدة من بسطات جرمانا، وعادت فرحة بمهارة صنعه وسعره الرخيص «300 ليرة بس»، لكن فرحتها زادت عندما اكتشفت أثناء تنظيفها للعقد أنه من الفضة، ولا يقل ثمنه عن (20) ألف ليرة.

لا بد أن امرأة ما، في واحدة من بلدات الغوطة، قد فرحت في يوم ما بهذا العقد.