مسحٌ سياسيٌّ على الطريقة الداعشية

يمارس تنظيم الدولة الإسلامية المزيد من القيود الخانقة على أبناء المناطق التي يسيطر عليها، وبشكلٍ خاصٍّ في المناطق الساخنة والتي تشكل خطوط اشتباكٍ مع النظام، كمدينة دير الزور. وتُفرَض أكثر هذه القيود على مقاهي الإنترنت، ومكاتب الصرافة والحوالات النقدية، وبشكل أقل صرامةً على المحال التجارية.

فقد تم مؤخراً إغلاق العديد من صالات الإنترنت، والإبقاء على عددٍ محدودٍ منها مرخّصٍ له بالعمل من قبل المكاتب الأمنية، اثنان منها فقط في مدينة دير الزور التي يعتبرها التنظيم منطقةً عسكرية، ويخضع هذان المقهيان للرقابة الشديدة حسب شهادات السكان. وقد أغلقت داعش مؤخراً مقهى زيد في حيّ الحميدية بسبب انتهاء ترخيصه، ومنحت مقهى شام في حيّ الشيخ ياسين رخصةً جديدة، بالإضافة إلى استمرار عمل مقهى الجزيرة في الحيّ نفسه. كما سبق وأغلق التنظيم عدداً من الصالات في مدينة البوكمال والبلدات المحيطة بها، وأوقف جهازه الأمنيّ في هذه المدينة برجاً لبث الإنترنت، كان يعمل بموافقةٍ شفهيةٍ من المسؤول السابق، دون ترخيصٍ رسميّ.

وسنّ التنظيم قراراتٍ جديدةً في «ولايتي الخير والفرات» (اللتين تضمان كامل محافظة دير الزور)، تسهّل عليه الرقابة والسيطرة الأمنية، فأصدر ورقةً تدعى «استبيان حال» ليملأها صاحب صالة الإنترنت، وهي أشبه باستمارة المسح السياسيّ التي كانت تطلبها فروع مخابرات النظام السوريّ، ولكنها أكثر تعقيداً، إلى درجةٍ يطلب فيها الاسم الرباعيّ لطالب الترخيص، واسم والدته الثلاثيّ، وخانة أخرى للكنية!! واستفساراتٍ عن مكان وتاريخ الولادة والعنوان الحاليّ، والتحصيل الدراسيّ، والعملين السابق والحاليّ، واسم المكتب أو الصالة ونوعها، ورقم الهاتف الأرضيّ، ورقم التواصل عبر «الواتس آب»، وأسئلة تتعلق بانتمائه السابق إلى إحدى الفصائل، إن وجد، وإن كان وقع في «ردّةٍ» سابقةٍ ولديه توبة، أو إن كان قد سبق له الانتماء إلى «الدولة الإسلامية»، وإن كان له أقرباء قتلوا على يد التنظيم، أو موجودون حالياً مع «المرتدين» ويقاتلون مع فصائل «مرتدة»، أو إذا كان أحدهم ينتمي إلى التنظيم. مع طلب البصمة في نهاية الورقة. وتنبيه الحاصل على الرخصة بضرورة إعلام المكتب الأمنيّ عن أيّ شخصٍ يُشك في تواصله مع أفرادٍ من الجيش الحرّ أو مع الشبكات الإعلامية.

سبق هذا الإجراء قرارٌ يطلب من أصحاب محال الإنترنت والصرافة وكافة المحال التجارية تركيب كاميراتٍ خارج مكان العمل، بشكلٍ يغطي المساحة المحيطة بالمكان، على أن يوضع جهاز حفظ سجل التصوير في داخل صندوقٍ مقفلٍ تسلّم مفاتيحه للمكتب الأمنيّ. ويوجب القرار تركيب ما لا يقل عن ثلاث كاميراتٍ مخفيةٍ في مدّةٍ أقصاها عشرة أيامٍ من تاريخ صدوره، وإلا سيعاقب المخالف بإغلاق المحل.

وذلك فضلاً عن الممارسات القديمة المستمرّة، كجولات التفتيش المفاجئة التي تقوم بها دوريات التنظيم لمقاهي الإنترنت ومكاتب الحوالات النقدية، إذ يقتحم عناصره المقهى ويأمرون الجميع بوضع أجهزة النقال جانباً دون أيّ حركةٍ أخرى، ثم يقومون بجمعها وتفتيشها، واعتقال كل من يشتبهون فيه من خلال كلمةٍ أو صورةٍ فيها. حتى أن أحد الشهود روى حادثة اعتقال رجلٍ مسنٍّ ضرير، مع ولده الذي كان يصحبه إلى المقهى لمساعدته في الاتصال بأقاربه وللكتابة بدلاً عنه، بسبب رؤية شعار الجيش الحرّ على أحد الحسابات التي كان متصلاً بها. وأغلق عناصر المكتب الأمني التابع للتنظيم مقهىً في بلدة الهري، بعد إطلاقهم النار على شابين لاذا بالفرار عند رؤيتهما للعناصر، حسب رواية أبناء البلدة.

‎أما مكاتب الصرافة والحوالات النقدية فيقوم عناصر المكتب الأمنيّ بتفتيش سجلاتها بشكلٍ غير منتظم، ويُلزم صاحب المحل بإعلام مكتب الزكاة عن الحوالات التي تزيد مبالغها على العشرة آلاف دولارٍ أميركي.

أسهمت رقابة التنظيم على الإنترنت في اعتقال وتصفية النسبة الأكبر من الناشطين المدنيين في جميع مناطق سيطرته. وبالإضافة إلى ذلك اتبع سياسات اختراقٍ عديدة، أهمها توغل المخبرين و«العواينية» بين أوساط السكان والناشطين والمقاتلين السابقين.