رغم استمرار غارات النظام الأسديّ على قرى ومدن ريف حلب الشماليّ المحرّرة، وما يعاني منه سكان تلك المناطق من ظروفٍ معيشيةٍ وإنسانيةٍ صعبة؛ تشكّل مبادرات العمل المدنيّ نموذجاً لقدرة المجتمع المحليّ على إدارة شؤونه والتغلب على المصاعب التي تواجهه.
فمع بداية العام الحاليّ، وبإشراف لجنة تمكين مارع؛ افتتحت اللجنة النسائية في المدينة مركزاً لتطوير الخبرات المهنية والتعليمية لنساء المنطقة، يعدّ الأوّل الذي يعنى بتفعيل دور المرأة، من خلال دورات التدريب والتأهيل المهنيّ والعلميّ، في مناطق ريف حلب الشماليّ.
أهداف المركز
تشرف على الدورات التعليمية ستّ مدرّباتٍ متخصّصاتٌ، تمّ التعاقد معهنّ لتدريب ما يزيد عن مئة فتاةٍ وسيدةٍ. ويقوم المركز بتنظيم دورّاتٍ في عدّة مجالات، كمحو الأميّة والتمريض والخياطة والتفصيل. أمّا الهدف فهو إنعاش الدخل المحلّيّ وإيجاد موردٍ اقتصاديٍّ للنساء اللواتي فقدنَ معيلهنّ، بحسب ما أفادت السيدة فاطمة أم حسّان، مديرة المركز، التي تضيف: "نقوم بتدريب وتأهيل نساءٍ من مختلف الشرائح الاجتماعية في المنطقة. لدينا في المركز ثلاث فئاتٍ من النساء؛ الأولى هي فئة غير المتعلمات، إذ نقوم بإخضاعهنّ لدوراتٍ لمحو الأميّة. أمّا الفئة الثانية فهنّ النساء المهنيّات، ومنهنّ من يتقنّ بعض المهن كهاوياتٍ، كاللواتي يبرعن في مجال الخياطة والتفصيل والتطريز والرشّ اليدويّ والآليّ والتصويف. والفئة الثالثة هي من المتعلمات اللواتي يتمّ تدريبهنّ للعمل في مجال التمريض عبر دوراتٍ متخصّصةٍ تتضمّن تقديم الإسعافات الأوليّة والعناية بالجرحى والمرضى. وتقوم المشرفات على هذه الفئة بإعداد استبياناتٍ لمعرفة مدى الحاجة، في الوضع الراهن، إلى العمل في القطاع الطبيّ، كمساعدةٍ للكوادر الطبيّة، نظراً للنقص الكبير الذي تعاني منه المشافي والمراكز الطبية فيما يخصّ التمريض، إن كان في مدينة مارع أو في المناطق الأخرى".
وعن إمكانيّة ترويج الأعمال اليدويّة التي تقوم المتدرّبات بصنعها أجابت أم حسّان: "سنقوم بترويج المنتوجات اليدويّة عبر معرضٍ يجمع ما قمنا بإنجازه حتى الآن. وسيتمّ تحويل المردود لصالح الأيتام. فعملنا تطوّعيٌّ، ومعظم النساء اللواتي انتسبن إلى دورات المركز هنّ من أرامل الشهداء وزوجات المعتقلين".
مشاريع مستقبلية وصدى إيجابيّ
رغم حداثة التجربة، إلا أنها لقيت الكثير من الاهتمام في المدينة وفي مناطق ريف حلب الشماليّ، مما دفع القائمين على المشروع إلى التفكير في توسيع عمله. وعن هذا تقول السيدة أم حسان: "هناك مشاريعٌ جديدةٌ نسعى إلى تنفيذها، سيكون أوّلها افتتاح مشغلٍ للخياطة. كما سيتمّ إطلاق دوراتٍ تعليميةٍ للغتين الإنكليزيّة والتركيّة، ودوراتٍ في المعلوماتيّة، بالإضافة إلى التطريز وتصفيف الشعر". وتقول إحدى المشرفات على المركز: "نحاول أن نقيم مجمّعاً تربويّاً ومهنيّاً وصحيّاً يجمع أكبر عددٍ من المتدرّبات، فالحاجة إلى ذلك كبيرةٌ جداً لدى نساء المنطقة".
ويرى عبد الجليل، وهو أحد أبناء ريف حلب الشماليّ، في هذا المشروع نقلةً إيجابيّةً، فيقول: "تحتاج سوريا إلى البناء وإلى مشاركة المرأة للرجل في تحمّل الأعباء. ويمثل هذا المشروع، وأمثاله، خطوةً أساسيّةً في نهوض المجتمع السوريّ إلى مستوى الثورة. وأعتقد أنّ إنشاء هكذا مشاريعٍ مهنيةٍ أفضل من السلال الغذائيّة التي لا تكفي إلا لبضعة أيّامٍ، لأن هذا المشروع يعلّم المتدربة الاعتماد على نفسها من خلال إتقان مهنةٍ تصبح بمثابة سلاحٍ لها تستطيع به مواجهة الظروف الصعبة التي تعترض طريقنا كسوريين".
يضاف مشــروع "لنرتقي معاً" إلى مـــشاريع أخرى سبق أن أسهمت في تأسيسها لجنة تمكين مارع المنبثقة من المجلس المحليّ، والتي قامت بإنجاز العديد من المشاريع المدنية والتأهيلية في المدينة، كافتتاح عيادةٍ عينيةٍ، وشراء معدّاتٍ
للدفاع المدنيّ، وحفر آبارٍ لتغطية الحاجة المائية. وما زال العمل جارياً على إعادة تأهيل مشفى التوليد.
وتجدر الإشارة إلى أنّ معظم هذه المشاريع قد تمّ بعد توزيع اللجنة لاستبياناتٍ على السكان يحدّدون فيها بأنفسهم أبرز احتياجاتهم الخدمية، لتقوم اللجنة بطلب الدعم لها والإشراف على تنفيذها لاحقاً.