كان حلم إياس الملوحي، المختار الأشهر بين مخاتير أحياء مصياف، بتأسيس "قوات الدفاع الذاتي" جريئاً بالنظر إلى أنواع القوّات الأخرى التي تحكم المدينة. لكن الجرأة وحدها لا تصنع قائد قوّاتٍ في إقطاعيات آل الأسد دون تحقيق ما يلزم لذلك من شروط، أبرزها أن يكون القائد مسنوداً بشخصٍ ثقيلٍ في النظام، وأن يتمتع بسجلٍ إجراميٍّ معتبر، وهذا ما يفتقر إليه المختار.
"أمام الله ورئيس الجمهورية العربية السورية وأرواح الشهداء" يتعهد المنتمي إلى "قوات الدفاع الذاتي" بالدفاع عن مصياف وحماية "حدودها الإدارية" ومواجهة "جميع الأخطار الداخلية والخارجية"، حسب ما يشترط طلب الانتساب إلى هذه القوات. ويشرح أهل مصياف همساً المقصود بالأخطار الداخلية على أنها جماعة صلاح عاصي وغيرها من مجموعات الشبّيحة الوافدة من الريف القريب، والتي استباحت المدينة، ولم تتوقف، منذ خمس سنواتٍ، عن ارتكاب جرائم القتل والسرقة والخطف. وعلى أمل حماية المدينة من "الأخطار الداخلية" تطوّع بعض أبنائها في "قوات الدفاع الذاتي" وسيّروا دورياتٍ ليليةً لعدّة أيام، تمكنوا خلالها من إحباط سرقاتٍ صغيرة، دون المساس بتركيبة الحواجز المحيطة بالمدينة، أو تقليص معدل الجرائم فيها.
ورغم التأكيد على أن "الدفاع الذاتي" ليس بديلاً أو منافساً لأحدٍ بدأت المضايقات من قبل "القوات" الأخرى وحلفائها الرسميين في مفارز المخابرات وحزب البعث، لتتحوّل إلى تهديداتٍ وأوامر بأن "يفرط" الدفاع الذاتي "بالتي هي أحسن". بالتزامن مع حملة "تخوينٍ" للمختار بالتركيز على "نقاط ضعفه"، كتحدّره من الأقلية السنّية في مصياف، وخلوّ تاريخه من أيّ مشاركاتٍ قتاليةٍ أو أمنيةٍ بارزةٍ مثل غيره من قادة "القوات" المعتبرين، فضلاً عن طبيعته المسالمة وهو ابن الموظف الحكوميّ والقابلة القانونية الأقدم في المدينة.
لم يفلح التضامن الكبير الذي أبداه أهل البلد مع "مختارهم الآدمي" أمام الخصوم، وخاصّةً منهم علي عدي، أمين شعبة حزب البعث ورئيس اللجنة الأمنية الذي قاد حملةً ضد المختار باتهامه بتهمٍ خطرةٍ من قبيل التعاطف مع "الخلايا النائمة" التي يشكلها النازحون، بعد رفضه طرد عائلاتٍ نازحةٍ من إدلب تقطن في إحدى المدارس. ولولا عضويته في الحزب السوري القومي الاجتماعي، وارتداؤه الزيّ العسكريّ كمستعدٍّ دائمٍ للقتال إلى جانب قوات الأسد عند اللزوم، لصار الملوحي واحداً من الضحايا الذين أراد الدفاع عنهم.
على صفحته في موقع فيسبوك طالب المختار المتعاطفين معه بتجنب "العصبية والتوتر" والتحلي بالهدوء، و"يلي بدر من الرفيق أمين الشعبة رئيس اللجنة الأمنية في منطقة مصياف أنا بعالجو بهدوء لأنو ما حدا في يقيم عملي وأخلاقي غير أهالي منطقة مصياف".
في الحقيقة، لم يعالَج شيءٌ مما بدر من إهانة، ولم يستطع المختار الدفاع عن نفسه أو عن قواته، واكتفى بالصمت قبل أن يعود إلى عمله السابق في إبلاغ الناس بمواعيد وصول المحروقات.